وفي كل مرة يطرح السؤال نفسه: كيف يمكن أن نستفيد من قراءة التاريخ?
ولعل أهمية هذه المكتشفات لا تكمن في قطع فنية متميزة وأوابد رائعة وإنما في دلالة تلك المكتشفات العلمية التاريخية على الدور الذي لعبته سورية في ظهور الحضارة.
شواهد جديدة:
البعثات الأثرية التي عملت خلال موسم التنقيب في الحسكة للعام الماضي بلغت 16 بعثة أثرية منها بعثتان وطنيتان وست بعثات وطنية أجنبية مشتركة وثماني بعثات أجنبية ومن خلال رصدنا لوقائع عمل هذه البعثات وما قامت به سنحاول في هذا التحقيق التعرف على المراحل الجديدة التي توصلت إليها والمكتشفات الأثرية التي عثرت عليها ودلائل هذه المكتشفات بمشاركة وتعاون السيد عبد المسيح بغدو رئىس دائرة آثار الحسكة, والبداية كانت مع البعثة الأثرية السورية العاملة في تل مبطوح شرقي الذي يقع غرب مدينة الحسكة ويبعد عنها 45 كم.
بدأ العمل في هذا التل من قبل بعثة وطنية عام 2001 وأظهرت التنقيبات الأثرية على أن الموقع ينتمي الى فترة الحضارة الأكادية أي 2300 قبل الميلاد ويقع على الخط التجاري الجنوبي القادم من جبل سنجار الى جبل عبد العزيز, وقد كشفت البعثة عن نظام معماري مدني مهم يتصف بوجود المنازل على جوانب الشوارع ومن اللقى الأثرية المهمة التي تم العثور عليها أدوات برونزية وأوان فخارية, دمى انسانية وحيوانية, ودل الكشف الأثري على وجود نوعين من العمارة الأولى تعود الى الفترة الأكادية المتأخرة 2250-2100 قبل الميلاد والثانية الى الفترة الأكادية القديمة 2400-2250 قبل الميلاد.
وتم الكشف ضمن السوية العائدة الى الفترة الأكادية المتأخرة عن أبنية سكنية مبنية من اللبن عثر بداخلها على مجموعة من التنانير بالاضافة الى مجموعة من اللقى البرونزية (فؤوس-خناجر-مخارز) وهي محفوظة ضمن جرة ومجموعة من الأواني الفخارية ذات زخارف مميزة وأخرى عادية وضمن السوية العائدة الى الفترة الأكادية القديمة تم الكشف على مبنى مهم تميزت عمارته بأساسات حجرية.
تل غويران..فضة وبرونز
لعل ما يميز تل غويران أنه يقع وسط مدينة الحسكة وعلى بعد أمتار من مقر دار الحكومة (مركز المحافظة) وقد بدأ العمل في هذا التل لأول مرة عام 2003 وأظهرت أعمال الحفر والتنقيب أجزاء من أبنية من الحجر جدرانها مجصصة وبعض أرضياتها لها مداخل يتصل بعضها ببعض. ومن خلال دراسة المادة الأثرية كما يقول مدير آثار الحسكة تبين بأن هذه المنشأة المعمارية تعود الى فترة الحضارة العربية الاسلامية (القرن الثاني عشر-الثالث عشر الميلادي) ويتوضع تحتها مباشرة سوية تعود الى فترة الألف الثالث والألف الرابع قبل الميلاد.
وذلك من خلال الكسر الفخارية التي ظهرت بالمقطع في الجهة الشمالية من التل.
ومن اللقى الأثرية المهمة التي كشف عنها أربع قطع نقدية اثنتان فضيتان واثنتان برونزيتان عليهما كتابة باللغة العربية, ومجموعة من القطع النقدية المصنوعة من خلائط معدنية (البرونز).
تل شاغربازار وعشتار
في الطريق الى هذا التل الذي يبعد عن مدينة الحسكة 46 كم باتجاه عامودا أعلمنا رئيس دائرة الآثار أن أعمال التنقيب في هذا التل بدأت منذ عامي 1935-1937 ثم توقف العمل حتى عام 1999حيث تم الترخيص رسميا لبعثة أثرية سورية بلجيكية انكليزية مشتركة, ومن اللقى الأثرية التي عثرت عليها البعثة مجموعة من الرقم المسمارية وطبعات أختام تعود الى الفترة البابلية القديمة ودمية طينية للربة عشتار تعود للألف الثاني قبل الميلاد ودمية طينية للآلهة الأم تعود الى فترة حلف أي الألف الخامس قبل الميلاد. أما في موقع تل عربيد حيث تعمل البعثة الأثرية السورية البولونية فقد تم الكشف هذا الموسم عن مبنى يعود الى فترة نينوى (5) عثر بداخله على عدة غرف لورشات عمل وأخرى لتخزين الحبوب بنيت أرضيتها من مادة اللبن المغطى بطبقة من التراب المضغوط المطلي بالجص.
تل خزنة الأكثر أهمية
يعتبر هذا الموقع الذي تعمل فيه البعثة الأثرية الروسية فريدا من نوعه في سورية وفي شمال بلاد الرافدين ويكتسب أهمية كبيرة بعد أن قدم معلومات قيمة عن التطور الثقافي خلال فترة الألف الرابع والثالث قبل الميلاد وبشكل خاص دور سورية في هذا التطور.
ومن ضمن اكتشافات البعثة لهذا الموسم التعرف على منشأة معمارية مؤلفة من عدة غرف تعود الى فترة نينوى (5) ومن اللقى الأثرية المهمة التي كشف عنها مجموعة لاجزاء من الدمى الطينية لشكل انسان أو حيوان ودواليب ومغازل وأدوات حجرية, كما قامت البعثة بدراسة كافة الهياكل العظمية التي تم الكشف عنها في الموقع وتبين أن هناك قبرين لأطفال وآخر لرجل يتراوح عمره بين 35-40 سنة وتم تحديد الأمراض التي تعرض لها هؤلاء المدفونون ونوع الغذاء وصلة القرابة بينهم.
تل بري..قصور ومعابد
عندما بدأ العمل في تل بري من قبل بعثة ايطالية عام 1980 دل الكشف الأثري عن وجود استيطان في الموقع منذ الألف الرابع قبل الميلاد وحتى فترة الحضارة العربية الاسلامية دون انقطاع وتم التعرف على أجزاء من القصر والمعبد واسم المدينة القديم كحت التي كانت مركزا دينيا مهما خلال الألف الثاني والأول قبل الميلاد.
وفي هذا الموسم تم العثور على عدة قبور ويعود أحد هذه القبور الى الفترة الأكادية وتم أيضا الكشف عن طبقة تؤرخ الى فترة عصر البرونز المتأخر ومن خلال دراسة الفخار تبين أنها تعود الى منتصف الألف الثاني قبل الميلاد.
younes@hasaka.net