نعم مجنونة تعودت ان اراها في شوارع الحارة تنتقل من حاوية لاخرى بحثا عن قوت يومها وفجأة بدت عليها اعراض الحمل ووجدتها بعد حين تحتضن طفلا في لفافة وتنتقل به بفخر واعتزاز بين الناس الذين اشفقوا على هذا الطفل الذي لم يعرف مصدره, فالمجنونة خرساء بكماء محدودة العقل والادراك ورغم ذلك تبدلت احوالها كليا بعد ان انجبت هذا الطفل فغدت اقل هياجا وتجهما بين الناس وكثيرا ما كانت تبتسم لي وكنت نادرا لا ارى ابتسامتها..
وذات يوم شهدتهم يجردونها من طفلها ليرسل الى معهد اللقطاء ويجبرونها على الصعود الى سيارة اودعتها في مشفى ابن سينا ولم انس تعابير وجهها قط وهي تودع فلذة كبدها الذي انتزعوه عنوة منها واخذوه نحو المجهول, كما لم انس يداها وقلبها المجروح بعد ان لطمت الزجاج في حمى هياجها حزنا على وحيدها فاختلط دمها مع دمعها وهي تبتعد وتنأى عن ناظري شيئا فشيئا فتعلمت من ذلك اليوم ان الامومة احساس وفطرة قبل ان تكون عقلا وادراكا..
في النموذج الاخر كانت الام معاقة ولديها ضعف نمو في أطرافها العلوية..وعندما انجبت كانت تستعين باطرافها السفلية للعناية بطفلها وترفض مساعدة احد في العناية بوليدها وقد شاهدت بأم عيني كيف كانت تحتضن زجاجة الحليب بين باطني قدميها وتقدمها بدفء لوليدها وهي تنحني بوجهها فوقه, تقبله وتداعبه و تناغيه فتعلمت منها ان الامومة لا تعترف باعاقة وتتحدى المستحيل..
في النموذج الثالث كانت المرأة عاقرا لا تنجب ومن شدة حبها لزوجها اشارت عليه ان يتزوج واختارت له بنفسها العروس وزفتها الى بيتها لتعيشا معا الى ان انجبت الاخرى ستة اولاد مرضت بعدها وقضت نحبها بمرض السحايا مخلفة وراءها كوم لحم اصغرهم كان لا يتجاوز عمره ثمانية اشهر فاحتضنتهم الاولى جميعا وربتهم وعلمتهم...كما لو كانوا قد انحدروا من رحمها وتشكلوا من لحمها ودمها فغدت (ام اكرم ) مضرب الامثال في قريتها بعد ان تحولت من ام بالوكالة الى ام حقيقية رغم انها ما حملت يوما ولا انجبت فتعلمت منها ان الامومة نكران للذات وذوبان في الاخر وبين هذه وتلك, وتلك ...كنت دائما أتساءل اذا كانت الامومة فطرة وغريزة وتتحدى الاعاقة ولا تعرف مستحيلا ونكرانا للذات وبداية من الاخر لدرجة ان المرأة تتخلى طائعة عن اسمها لتكنى باسم ولدها ,أليس من الأولى بنا ان نقدم لها في عيدها كل الحب والعرفان خاصة وان الامة من الام...
والام من الامة فهي الطبيعة والارض والوطن وامتداد هذا الكون..