تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


سمير أمه..

مجتمع
الثلاثاء 21/3/2006
منيرة حيدر

فتى يافع في المرحلة الثانوية طويل القامة حنطي اللون يحني رأسه ويميل على كتفه, يحمل كتبه في يده ويلصقها على بطنه, ترتسم على وجهه ابتسامة خفيفة لا معنى لها,

يمشي دائما مع رفاقه لا اذكر مرة أني رأيته وحيدا أو سمعت صوته أو ضحكته كما أقرانه كانوا يسمونه ( سمير أمه) ويضحكون,يقولونها له بدون أي تردد أو خجل ولم يكن يبدو عليه أي رد فعل, كان ابن عائلة بسيطة لم نعرف له أعماما أو أخوالا, والده رجل بهلول يتميز بغباء شديد لا علاقة له بأمور البيت, عنده دكان صغير لم يعرف أن يطوره أو يربي زبائن له بل انفضوا عنه بسبب بلادته وخطئه في الحساب ,فكانت أمه قوية وكثيرا ما شوهدت تضرب زوجها وكانت كل أمور البيت منوطة بها, ربت أولادها وعلمتهم وكانت هي الكل بالكل ولأجل هذا كانوا يسمونه سمير أمه. نجح سمير في البكالوريا وغابت سنوات عديدة سألوا عنه كان الجواب ( يخدم العسكريةو يعمل) وبعد عدة سنين عاد سمير يركب سيارة حديثة وقد امتلأ جسده واستقام ظهره وشمخ رأسه حاملا في يده سلسلة مفاتيح أنيقة.‏

ماذا حل بك يا سمير.. ما الذي غيرك.. غيرتني إهاناتهم (سمير أمه).. وما ذنبي اذا كانت أمي قوية ووالدي ضعيفا.. كانت كلماتهم سياطا تجلدني ولم يكن بمقدوري أن أرد عليهم أو أظهر حزني وقهري فهم كانوا عزوتي وكنت أحبهم واحتاجهم بينما أنا لا أشكل أي معنى لهم.‏

قررت بيني وبين نفسي أن أصبح غنيا أغنى منهم كلهم ذهبت للخدمة الإلزامية تعرفت على زملاء فتحوا لي فرصا للعيش غسلت لهم ثيابهم وصحونهم وحضرت لهم طعامهم وحصلت على دخل لا بأس به وعندما أنهيت خدمتي الإلزامية عملت في مقهى الرصيف البحرية نادلا أقدم القهوة والشاي وكنت أنام في المقهى أحرس الكراسي والمعدات, ذهبت إلى الداخل عملت أجيرا في الأراضي ثم استأجرت قطعة أرض وعملت بها ثم اشتريت الأرض واستأجرت عمالا يعملون بها لكنني لم أسجل أرضنا باسمي سجلتها باسم أبي أردته أن يكبر بنظر نفسه ونظر أمي ونظر رفاقي, أصبحت الأرض تدر عليّ أرباحا جيدة وقد ساعدني الله سبحانه فلم أمرض طوال هذه الفترة ولم اعتمد إلا على الله سبحانه وعلى إرادتي وعزمي, لم أقبل أن أكون تابعا لأحد فكل هذا التعب كي لا ينظر إلي أحد بفوقية أو ازدراء, فتحت لي الدنيا أبوابها اشتريت بيتا وسيارة وساعدتني في أعمالي وعدت إلى ضيعتنا, عرفت أخبارهم, منهم من تزوج ومنهم من توظف ومنهم من مرض.‏

لم أذهب اليهم لكنني تجولت في سيارتي في شوارع القرية التقيت بأقربائهم وسلمت عليهم, سمعوا بي جاؤوني جملة وفرادى استقبلتهم, عندما رأوني لم يصدقوا أنفسهم قالوا لي (كيفك يا سمير) ووقفوا آه لم يكملوها لم يكملوها كيفك سمي... ووقفوا ... آه.. لم يكملوها.. لم يكملوها..‏

هل عانيت يوما من دملة متحجرة احتلت فخذك وأدمتك فأشعلت بك الحرارة وحرمتك الجلوس والنوم ثم بدأت تستوي وتلين .. وهل عانيت من حذاء ضيق يشد على قدمك وأطراف أصابعك وأمامك مشوار طويل فيجعلك تعرج من رجلك وتستغيث ألما وعندما تصل تخلعه من رجلك ويتسرب إليك هذا الشعور الرائع هل عانيت من مكان مزدحم تملؤه الأنفاس الكريهة تطبق على صدرك وتشعرك بالغثيان ثم تفتح لك طاقة تبدد الهواء النتن وتمدك بالنسيم العليل والرائحة الذكية, هذا هو الإحساس الذي وصلني وأي إحساس إنه النشوة.. إنه الانتصار.. إنه العز.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية