ولا تستطيع الزعيمة إنكار هذه اليد , مع أن الرجل لم يفعل فعلته بدافع من نبل أو شهامة , لأنه كان متمسكا بأهداب السلطة حتى الرمق الأخير من عمره السياسي الذي كان قصيرا من حيث الإنجازات التي يمكن تسجيلها باسمه , طويلا بسلاسل لا تنتهي من الفضائح الأخلاقية والمالية والسياسية .
فعل (أولمرت ) ذلك بعد أن فقد السيطرة على سفينة الحزب , وبدا لكل من كان راكبا فيها أنها تسير إلى الهاوية والغرق المحتم وأخذت الأصوات تعلو داخل حزبه مطالبة برحيله حرصا على النفس قبل الحزب ,وقبل كل شيء .
ووجد الرجل نفسه مكرها لا بطلا على التنحي وتسليم الأمور للمرأة التي كادت له كيدا عظيما , وحفرت له حفرا عميقة لإسقاطه في هذه الحفر فلا تقوم له قائمة ,وقد بدأت مخططها لوراثته حيا منذ رأت وجهه مكتسيا بطبقة ثخينة من السواد الذي يشير إلى الهزيمة المدوية التي لقيها الجيش الإسرائيلي على أيدي رجال المقاومة الوطنية اللبنانية خلال عدوان تموز 2006 على لبنان .منذ تلك الهزيمة شرعت (ليفني ) بمخططها الجهنمي لإسقاط رئيس وزرائها الجريح والإجهاز عليه , وقد تراءت لها الفرصة تحبو على طبق من ذهب عندما وجدته غارقا من رأسه حتى شحمتي أذنيه في وحول الفضائح والهزائم المادية والمعنوية .
حاول ذلك النمر الجريح أن يدافع عن نفسه ,لكن مخالبه كانت تتساقط يوما بعد يوم ,ولم يجد أمامه إلا اللجوء إلى لعبة الوقت في محاولة يائسة لإطالة عمره السياسي ,فاختار العناوين الحماسية التي توهم أنها قادرة على تثبيت قدميه المختلتين ,فاستعان على الشقاء بإدمان التوجه إلى البيت الأبيض في (واشنطن) لعل وعسى تسعفه الفرصة في الإمساك بقارب النجاة الذي يمكن أن يلقيه الرئيس الأمريكي (جورج بوش ) لكن تبين أن الرئيس الأمريكي ينافس (أولمرت ) غرقا في دوامات أفقدته رشده وصوابه وأصابته بصداع مزمن .
أدخل الفلسطينيين في نفق مظلم اسمه مفاوضات الوضع النهائي ,وكان في كل مرة يسافر فيها إلى (واشنطن ) يعود محملا بكيس مثقل بالوعود الأمريكية بإقامة دولتين متعايشتين جنبا إلى جنب تضمان اليهود والفلسطينيين ,وهذا الموضوع كما اعتقد (أولمرت ) كان جذابا وكفيلا بتقديمه كبطل سلام يجشم نفسه أعباء صنع السلام, في الوقت الذي كانت فيه القوات الإسرائيلية ترتكب المجازر المروعة وتمعن في الجسد الفلسطيني تمزيقا وتمثيلا .
وأضاف الزعيم المخلوع تشويقا للعبته عندما حمل الملف النووي الإيراني وركض به إلى (واشنطن ) للتنسيق مع الإدارة الأمريكية في موضوع توجيه ضربة عسكرية لإيران ,فلم يحصل على (شرف ) تكليفه بهذه المهمة القذرة , بل ربما ظفر باستياء الأمريكيين الذين وصفوه بالعمى لا قصر النظر بعد أن عجز عن رؤية غرق الإدارة الأمريكية في مستنقعات العراق وأفغانستان غرقا لا ترجى منه نجاة في الوقت الراهن على الأقل ,فكيف يطلب منها درجات أعمق من الغرق والتيه بالتقدم إليها بهذا الطلب ?! .
ولم ينس (أولمرت ) مخادعة نفسه وهو أدمن مخادعة بني جلدته عندما زعم مرارا وتكرارا أنه سيعود لتأديب المقاومة الوطنية اللبنانية في الوقت المناسب ,وكان بنو جلدته يعلمون أن هذا التوقيت لن يأتي ,لأن (أولمرت ) وكل من يأتي بعده سيعاني من عقدة الخوف والهلع من المقاومة الباسلة في لبنان .
الآن خلت الساحة أمام (ليفني ) وقد تطلب الطعن وحدها والنزال شأنها شأن كل جبان بنى مجده السياسي على حساب الضحايا الأبرياء ,وتاريخها المثقل بالإرهاب والحقد على العرب يشهد لها بذلك وستعلم بعد أمد قصير من خوضها العمل كزعيمة لحزب ( كاديما ) ورئيسة للحكومة الإسرائيلية ,أن (أولمرت ) لم يقدم لها تلك الخدمات الجليلة ولو دون قصد منه, لأنه في الواقع أدخلها في كهوف معتمة ستفقدها رشدها كما فعلت به تلك الكهوف تماماً.
ستكون رئاسة الحكومة الإسرائيلية سلسلة لاتنتهي من المشكلات التي أصر (أولمرت) على إبقائها تركة ثقيلة ترهق كاهل كل وريث يخلفه في قيادة الحزب والحكومة , وستكون فترة حكم (ليفني) فترة الدوران في الحلقات المفرغة, التي ستمتلىء يوماً بعد يوماً بتحديات أشد عنفاً وضراوة , لتكتب نهاية غير سعيدة للسيدة التي تطمح أن تدخل التاريخ الإسرائيلي من بابه العريض, لكنها ستصدم بالمفاجأة عندما تجد أنه لن يرحب بها, لأنه تاريخ منشغل بكم هائل من العار والتزوير والاسوداد, كم سيبقى مرافقاً لهذا التاريخ , ولكل من يبني مجده على حساب سلب حقوق الآخرين وارتكاب الجرائم اليومية بحقهم وبحق الإنسانية .