تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


تحولات الباكستان لمواجهة الاستباحة الأميركية

دراسات
الاثنين 22/9/2008
بقلم توفيق المديني

امتدت الحرب الأميركية على الإرهاب في أفغانستان التي بدأت منذ أحداث 11 أيلول 2001 إلى جانبي الحدود الأفغانية الباكستانية:

إنها جبهة جديدة فتحت على الطرف الآخر من الحدود, أي في الأراضي الباكستانية, تلك المنطقة التي تتمتع بنوع من الحكم الذاتي, الذي يديره وجهاء القبائل الباشتونية التي تقطن فيها, وتربطهم علاقات قربى ومصالح وتاريخ مع أشقائهم الباشتون في الجانب الآخر من الحدود, والخاضعة لقانون المستعمرة السابقة بريطانيا, والمعروفة ب)منطقة القبائل(, وللتذكير فإن الباشتون يشكلون 42% من سكان أفغانستان و20% من سكان باكستان وبالتالي فإن التعاضد القبلي يبقى أقوى من الحدود التي خطها الاستعمار البريطاني بين البلدين.‏

وتعتبر منطقة القبائل, التي تشارك أفغانستان حدوداً ويصل طولها إلى 1360 كيلو متراً, بجبالها ووديانها, وكهوفها, منطقة مثالية للفارين من السلطات المركزية في البلدين (باكستان وأفغانستان) كليهما, إذ اشتهر رجالها بمهارتهم القتالية, نظراً لشيوع حمل سكانها الذين يعيشون في ظل هذه التضاريس الجبلية الوعرة, السلاح الأمر الذي يجعلهامنطقة عصية على )الغريب( أي غريب, وبمن في ذلك الجيش الباكستاني, وكانت منطقة القبائل, حتى سقوط نظام طالبان في أفغانستان في العام2001, تتمتع بعلاقات جيدة مع السلطة المركزية في إسلام آباد.‏

ويقول الباحث في معهد العلاقات الخارجية جايشري باجوريا: إنه في السبعينيات من القرن الماضي )قامت الاستخبارات الباكستانية بالتعاون مع نظيرتها الأميركية بتزويد )المجاهدين ضد الغزو السوفييتي, بالمال والسلاح .‏

لقد أكد القائد العام للقوات الأميركية, الأميرال مايكل مولن, في 10 أيلول الجاري, أنه أعطى الأوامر لبلورة استراتيجية جديدة, للقتال ضد طالبان )على جانبي الحدود( الأفغانية الباكستانية.. إن الأمر لايتعلق بالرد على النيران التي تنطلق من الجانب الباكستاني من الحدود, فحسب, بل إن الأمر يتعلق بإرسال قوات إلى المناطق القبلية, وحسب ماذكرت صحيفة نيويورك تايمز في شهر يوليو الماضي, أمر الرئيس الأميركي جورج بوش, الجيش الأميركي بالتدخل العسكري المباشر في هذه المناطق القبلية, من دون أخذ موافقة الحكومة الباكستانية, وهكذا تخلى مبدأ الدفاع عن النفس لمصلحة استراتيجية الهجوم, باسم دوغما صاغتها المدارس العسكرية الغربية: التمرد الذي يمتلك مكاناً آمناً لايمكن هزيمته.‏

إذا كانت الحرب التي شنت على أفغانستان عقب أحداث11 أيلول 2001, قد أسقطت نظام طالبان, فإنها بالمقابل عجزت عن القضاء على حركة )طالبان( فبعد هزيمتها, وجدت حركة طالبان و)القاعدة( في مناطق قبائل الباشتون الباكستانية ملاذاً آمناً, حيث ساعدتا هذه القبائل الباشتونية بالمال, والتي أنشأت بدورها ميليشياتها المسلحة الخاصة بها, ووضعت مخططاتها, وبسطت نفوذها الطالباني في شمال غربي باكستان, وهكذا تحولت مناطق القبائل الباكستانية إلى مصدر تغذية لحرب طالبان والقاعدة التي تشن عملياتها العسكرية ضد القوات الأميركية والأطلسية العاملة في أفغانستان انطلاقاً من تلك الأراضي الوعرة, فاكتسبت حركة )طالبان( خبرة عسكرية.‏

يقول الخبير في شؤون حركة طالبان, الصحافي أحمد رشيد في مقالته المنشورة بصحيفة لوموند الفرنسية بتاريخ 22/8/2008: إن الحلف بين طالبان أفغانستان و طالبان باكستان وثيق, وتتولى طالبان الأفغانية قيادة نظيرتها الباكستانية, ووضع سياستها وتستمد طالبان الباكستانية مشروعيتها من الحركة الأم, أي طالبان الأفغانية و القاعدة ويفوق نفوذ القاعدة بأفغانستان وباكستان, اليوم, ماكان عليه نفوذها في هذين البلدين, في سنة2001, ونقلت القاعدة إلى طالبان تكتيكاتها العسكرية وخبراتها في تنفيذ عمليات انتحارية, وفي أصول التواصل الإعلامي, وتدرب القاعدة عناصر أجنبية من العرب والباكستانيين والأوروبيين في قواعدآمنة تابعة لها, وعلى رغم أن نفوذها أقل في العراق, بسطت القاعدة نفوذها بأفغانستان وباكستان.‏

وكان زعيم حركة طالبان الأفغانية الملا محمد عمر التي ترجح الأجهزة الاستخباراتية الغربية لجوءه إلى جنوب البلاد, قد قام بحملة استقطاب عناصر جديدة لحركته منذ صيف عام 2002, فانتقل بذلك عدد أنصاره من 4000 في سنة 2002 إلى مايقارب 20000 اليوم, إضافة إلى وجود أيضاً مايقارب 2000 من المقاتلين الأجانب: عرب وتركمان وأوزباكيين, وحتى أوروبيين لبوا نداءه.‏

كيف يفسر هذا الانبعاث لحركة طالبان في مناطق الحدود الأفغانية والباكستانية?‏

أولاً: هناك الصفات الخاصة التي يتمتع بها زعماء طالبان و القاعدة على المستويين التنظيمي والعسكري.‏

ثانياً: إن عودة الشباب إلى الانخراط في صفوف حركة طالبان نابع من إخفاق نظام حميد قرضاي الذي نصبه الغرب, والذي لم يعرف كيف يتحرر من تأثير المحاربين القدامى الذين خاضوا الحرب ضد السوفيات, والذين تحملوا مسؤوليات محلية أو مناطقية, والعديد منهم أصبحوا حكاماً لولايات, أي امراء حرب- وأثروا جراء دخول أموال المخدرات إلى جيوبهم, وقبولهم الرشاوى التي تعتبر عملة رائجة في أفغانستان.‏

ثالثاً: إن الولايات المتحدة الأميركية التي كسبت الحرب في سنة 2001, لم تترجم انتصارها العسكري إلى نصر سياسي وبناء نظام سياسي أفغاني يحظى بمشروعية وطنية, وهذا الإخفاق نابع من أمرين أساسيين: أولهما, عجز إدارة الرئيس بوش عن إيجاد تسوية سياسية تلبي طموحات جميع الأطراف الموجودة في أفغانستان, نظراً لتركيبة البلد القبلية وتداخل هذه التركيبة مع وجود قبائل الباشتون التي تشكل الأكثرية في الجوار الجغرافي لأفغانستان, وتحديداً الجوار الباكستاني, وثانيهما, نقل مركز الحرب على الإرهاب من أفغانستان إلى العراق, ولاسيما بعد غزوه سنة 2003, وهذا يعني إخفاق استراتيجية بوش في مقاربته للحرب على الإرهاب, واعتراف بصحة وجهة نظر الديمقراطيين الذين يعتبرون أن أفغانستان هي مصدر المشكلات الأساسية في الإرهاب الدولي.‏

رابعاً: إن الاستخبارات الباكستانية تتلقى اليوم سلسلة من الاتهامات الخطيرة من جانب القيادات العسكرية الأميركية, بسبب تنامي العمليات العسكرية الناجحة التي تقوم بها حركة )طالبان( داخل العمق الأفغاني, رغم التفوق العسكري لقوات الحلف الأطلسي نذكر على سبيل المثال, العمليات الانتحارية ضد فندق سيرينا, وسفارة الهند في كابول في شهر أيلول الماضي ومحاولة اغتيال الرئيس الأفغاني حميد قرضاي, والهجوم ضد سجن قندهار, والهجوم الذي قادته عناصر طالبان ضد القاعدة العسكرية الأميركية الرئيسية في خوست, وأخيراً الكمين الذي نصب للقوات الفرنسية في منطقة صار وباي شرق كابول وكانت نتيجته10 قتلى و21 جريحاً من الجنود الفرنسيين يوم 18 آب الماضي.‏

خلال سبع سنوات, أي منذ هزيمتها في كابول, ضمت حركة )طالبان وحلفاءها من القاعدة تلك المناطق القبلية الباكستانية, إذ قتلوا أكثر من 150 زعيماً قبلياً وقفوا في وجه بسط سيطرتهم, إنهم أصبحوا اللاعبين الرئيسيين في المشهد السياسي الأفغاني, فبعد العملية ضد سفارة الهند في كابول يوم 7 تموز الماضي, قدمت أجهزة الاستخبارات الأميركية إلى رئيس الحكومة الباكستانية تسجيلاً عن المكالمات الهاتفية تظهر الروابط الوثيقة بين المنفذين للهجوم والاستخبارات الباكستانية, وتقول الاستخبارات الأميركية إن القائد العسكري الأفغاني جلال الدين حقاني, وزير الشؤون القبلية في حكومة )طالبان(. السابقة, كان على علاقة مع ضباط من الاستخبارات الباكستانية.‏

ففي الجانب الباكستاني من هذه الحدود البالغ طولها 1360 كيلو متراً, والتي يلقبها الجنود الغربيون بالخط صفر , تتواجد حوالى أربعين منظمة إسلامية قدمت الولاء لبيت الله محسود, زعيم حركة طالبان الباكستانية, والذي تتهمه إسلام أباد بتنفيذ العديد من الهجمات الإرهابية في باكستان, أبرزها اغتيال رئيسة الوزراء السابقة بينازير بوتو في 27 كانون الأول2007, ولكنه نفى ضلوعه في العملية, لأنه سبق أن تعهد بعدم استهداف شخصيات سياسية, ولأن تقاليده القبلية تمنعه من مهاجمة النساء.‏

تذكر التقارير الغربية أن بيت الله يعمل تحت إمرة القيادي الأفغاني جلال الدين حقاني الذي يعتقد أنه ساعد زعيم القاعدة أسامة بن لادن على الفرار من هجوم أميركي في جبال تورا بورا في العام 2001, وفي شباط 2008, أعلن بيت الله وقف إطلاق النار مع السلطات الباكستانية, التي نفت وقف عملياتها العسكرية ضد طالبان وفي نيسان 2008, أمر مقاتليه بوقف هجماتهم على باكستان, بعدما أعلنت الحكومة الجديدة برئاسة يوسف جيلاني يعلن بدء محادثات سلام مع المتشددين.‏

إن الحرب الأميركية ضد حركتي )طالبان» الأفغانية والباكستانية لايمكن كسبها, إذاقطعت العلاقة بين المقاتلين والمجتمع الذي يعيشون فيه, ومن خلال البحث عن تسوية سياسية تأخذ بعين الاعتبار التضاريس المجتمعية الأفغانية الباكستانية بكافة تعقيداتها القبلية والإثنية, ولعبة صراع القوى التقليدية في المنطقة, ولاسيما بعد الأخبار الأخيرة التي أكدت عدم رضا الحكومة الباكستانية الجديدة على الغارات الأميركية في مناطق الحدود ورفضها لها بشكل علني.‏

كاتب تونسي‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية