تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


صناعة الفرح..!

آراء
الاثنين 22/9/2008
علي قاسم

ما أن تجتاز القدموس شمالا حتى تطالعك عشرات القرى التي أفردت لها الطبيعة موضعها الخاص على سفح جبل أو فوق تلة , أو بين ثنايا هضبة, اعتادت ان تغازل الشمس بطريقتها, وتعلمت أن تكون جزءاً من واقع بكر للطبيعة لم ترغب يوما في تغيير معادلتها إلا خجلا.

تلك القرى لم تعتد الزيارات الخاصة أو تلك التي تنتشي فيها الأضواء, أو تلك التي تنشد الوصول إلى ما هي غير راغبة فيه, تحنو على ما تبقى فيها من تراب لم تقو الطبيعة برياحها العاتية وقسوتها أن تجرفه إلى المنحدرات, فيما أشجار السنديان والبطم وبعض بقايا من أشجار استولدتها الطبيعة تقارع كي تبقى صامدة, بل وتخوض معركة البقاء رغم التفنن الظالم في محاصرتها.‏

حين تلقاك تستدرجك إلى حيث تريد هي, لا كما ترغب أنت, وغالبا ما تجد نفسك منقادا دون اعتراض على ما تمليه, وفي معظم الأحيان تحتار في الخيار الذي تبحث أنت عنه, فتغوص بعيدا في تفاصيل الهضاب المزروعة على مقربة من الأفق المتشكل كسوار حول معصم يرفض أن تسد بوجهه الريح, كما يرفض أن تغيب الشمس, فيجد في الزوايا الحادة المتشكلة نافذة للعبور إلى الآخر سواء كان سهلا هاربا من انحناءات جبل, أو واد لم يكن هناك متسع لتغلقه الالتواءات.‏

في تفاصيل الوجوه التي تقابلها ثمة حكايات لسنوات مضت وسنوات آتية لم يكن للمحاولات الحثيثة أن تبدل من ملامحها, أو أن يعدل منها شظف العيش, أو صرامة المناخ , ولا حتى تجاهل أو نسيان الأضواء لها, وهي في كل ذلك تزرع الحب حيث تتجه, وحيثما تنظر لا فرق بين عتاب لا جدوى منه, ولا امتنان لا مبرر له, وقد زرعت السنون ما يصعب أن ينسى.‏

على مدى عقود وربما أكثر استطاعت أن تتواءم مع فروض الطبيعة لم تعترض, ولم تتململ, ولم تسع إلى تغيير معادلة امتهنت الحفاظ عليها, وحتى بعض المحاولات الخجولة التي تمت لم تنجح هي الأخرى في التعديل, فبقيت المعاول تقاوم الصدأ في مواجهة مع طواحين الهواء, تجابه صنوف الشظف, ولم تكل يوما من انتظار بزوغ الشمس , وهي في حقولها تعيد نسج حكاياتها, وكما أنها لم تسأم الحلم مع كل مغيب بصباح أجمل.‏

وفي كل هذه العقود كانت هنا مبادرات فردية تستحق التوقف, لتعيد النظر في تلك القافية من الموشحات العقدية التي لا تتبدل, لكنها دائما اصطدمت ببنية تحتية, لا تشجع ولا تساعد, بل وتعيق أيضا, مع غياب يصل حد التجاهل في العمل لتغيير ذلك الواقع , ولترسم في الأفق سجالا يحكي الرغبة في الخروج من طوق تحكمه فرضيات مسبقة عن متاعب لا طاقة لمواجهتها, ولا سبيل للهروب من منغصاتها.‏

وكلما تعمقت في المسير ستجد قصصا أكثر غرقا في الموجة التي لا تقف عند حدود أو مساحات التآكل في الزمن المقفر, حيث عبث الريح يترك بصماته في قمم تغتسل كل عام بثلوج ترسم البسمة, وتصنع فرحا يحتاج إلى أن يدوم, لكنه كيف له ذلك, والمسالك إليه لا زالت بعيدة المنال, والاهتمام به لا زال غير مدرج في خطة تجيد تسويق الفرح بعد أن أجادت الطبيعة تصنيعه..?!‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية