تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


التخاطب. الحكي. ولغة الكلام : الحوار..!

آراء
الاثنين 22/9/2008
نواف أبو الهيجاء

قيل لي ذات يوم-بصيغة سؤال-:

-متى تنتهي العلاقة بين شخصين, حبيبين زوجين.. الخ?‏

إجابتي الفورية كانت: حين لايجدان موضوعاً يتحدثان فيه, حين يسود الصمت القاتل, وينطوي كل منهما على ذاته-ويغلق عليه شرنقته.‏

ولست أعني ولم أعن, في ذلك الحين, كما اليوم, تجاهل لغات أخرى بين الإنسان والإنسان الآخر, لغة الخطابة والتواصل متعددة الأشكال: لغة العيون, وهل أبلغ منها وأفصح ? لغة الجسد, أليست رقصات الروح ومخاطبة العقل ونشدان السكينة والتواصل مع الآخر والطبيعة? لغة الإشارات-باليد والوجه- عادة. كما أن (الصم) لهم لغتهم الخاصة (الإشارة) ذلك أن التواصل سمة إنسانية ووسيلة حيوية ليس لفهم ما يدور أو ما يجري بل لفهم سلوكيات الآخرين-ومتطلباتهم وطريقة تفكيرهم-بالاستماع إليهم والإصغاء والانتباه إلى لغاتهم وكلماتهم المعبرة عن آلامهم ومشكلاتهم وآمالهم- وبالتالي وسائل التعامل معهم.‏

الدول والشعوب والأمم مثل الأفراد. هناك لغة الحوار, وهي الوسيلة التي تميز الإنسان عن سواه من المخلوقات, بل هي دلالة (العقل) والحد من سلطة أو تسلط (التعصب) وانفراده-كعاطفة- في توجيه القدرات الإنسانية وتوظيف هذه القدرات سلبياً أم إيجابياً, وبحس المقدرة على ترويض (الغريزة-المنطلقة من العاطفة الجامحة-الخالية من مقدرة المعني على (الكبح)-فالكوابح ضرورات مصيرية أحياناً, وهي لاتكون إلا بسيادة العقل-لغة ومسؤولية وسلوكاً يمنطق العاطفة-ويتكفل بمنعها عن(التطرف) لأن التطرف عادة إبعاد أكيد للقدرة العقلية على التحكم بالزمام- إفلات الزمام يعني أن تقاد النفس بالغريزة فقط محكومة أو منظومة بالعاطفة الهوجاء.. فلا المنطق, ولا الحوار, ولا تقبل الرأي الآخر, ولا الحكي.‏

عليه منع انفلات الأمور من عقالها مرهون بمدى المقدرة على التواصل الحي والمقبول والشفاف والمنفتح على (الآخر). وإلا فالقطيعة, وما تنتجه آلتها من تفاقم للأمور ومن ثم (توتر) وصولاً إلى (قطع الصلة) والخروج من القوقعة الذاتية- بعقلية استعلائية- تقود بالتأكيد إلى (العدوان) أو-في الحد الأدنى- إلى خصومات أو خصومة متدحرجةإلى حد الاصطراع.‏

اللغة-الخطابة-التحاور-الحكي:كلها سمات الإنسان ووسائله فهو كائن(اجتماعي) وهو (ناطق), والنطق ههنا يعني: الكلام والإصغاء لكلام الآخر, الحديث إلى الآخر والاستماع إليه- محاورته تمهيداً لفهمه وتفهمه.. ولكي يزول أي سوء تفاهم بين (العاقلين) غياب العقل-ذهابه- يمكن فقط حين تسود حالة التعصب. التعصب طريق ووسيلة (العنف والغضب والتطرف) دفعة واحدة أو على دفعات بحسب مقدرة كل منها على (التعبير الحي عن سورة النفس) وقت الغضب.‏

الإدارة الأميركية رفضت لغة الحوار, ومنطق الحكي, واستخدام وسيلة الاتصال الإنسانية مع الآخرين- وخاصة في الوطن العربي والعالم الإسلامي. عليه كانت لغتها الوحيدة المستخدمة هي لغة (الغاب) أو شرعة (الغاب) ولو أنها عمدت إلى المنطق والحوار والتخاطب العقلاني لما حدث ما حدث خلال سني حكم جورج دبليو بوش- في العالم عامة وفي أفغانستان والعراق- خاصة.‏

ماكان الغائب إلا لغة الحكي -التخاطب-التحاور-التفهم- أي لغة الكلام. وهي المكبح الذي ضلت الإدارة الأميركية الطريق إليه. ولقد استطاع الملايين من أبناء أميركا الاهتداء إلى العلة-فكان عليهم أن يختبروا الأداة الإنسانية المقبولة- الحوار ولكن أنى لهم ذلك?‏

إثارة غريزة الخوف لدى الملايين في الولايات المتحدة كان السلاح والحجة- السلاح الذي جردته الإدارة المحافظة لسنوات سبع لقطع (دابر إرهاب) والحجة التي كانت وراء تأليب الأميركان من موقع (الدفاع عن النفس-الذات- أمام غائلة موت مجهولة أسبابه ومعلومة اتجاهات وأشكال وعقيدة أصحابه)- ومن دون أن تجعل الآخرين قادرين على الإصغاء إلى الرأي الآخر.. الحكم النافذ دون دفاع-فالحاكم هو القاضي- وهو الادعاء العام والخاص هو المشتكي وهو القاضي المنفذ للحكم. وكان على العالم كله ألا يصغي للآخرين-أكانو ظالمين أم مظلومين? أهم فعلاً من قام بتفجيرات الحادي عشر من أيلول 2001 أم لا? أم إن عجالة الإدارة الأميركية في الحكم وفي التصرف قد انهت العلاقة بين الطرفين-أو الأطراف صاحبة العلاقة? وصار على العيون كلها أن تنظر بعيون حاكم (البيت الأبيض) وتحكي بلغته وتصغي إلى ما يريد لها أن تصغي وتسد الآذان على مالاتريد واشنطن لأحد أن يسمعه.‏

الود ينقطع, والمصالح تتشابك, والأشخاص يتبدلون, والعالم كله يتغير, ولكن هناك وسيلة رائعة وثابتة ودائمة ومثلى لحقن الدم ولإشاعة الأمن, وسيادة روح المحبة والعدالة والسعي المشترك لمواجهة كل ما يهدد البشرية بروح (جماعية) هذه الوسيلة هي (الحوار) ومايترادف ومدلولاته-إذ ليس ثمة مترادفات في اللغة -ولكن هناك التقارب في المدلول أو المعنى- ومن الكلمات التي ترسم هياكل المعنى ل(الحوارات): التخاطب, الحكي, الكلام, واللغة بمخارج حروفها البينة ودلالاتها الواضحة -فالغمغمة غير مقبولة -ولا الهمهمة- لامايماثلهما في (الإبهام)- ولن أقول الغموض- فالغموض أحياناًَ أبلغ وأحلى من الوضوح.. وخاصة حين يكون هذا الغموض صفة لنظرة امرأة أو لكلمة-ذات مغزى- من فم يطرب القلب على أنغام تصدر من بين شفتيه.‏

nawafabulhaija@yahoo.com‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية