وهما السدان اللذان كانا يسمحان باستمرار جريانه وبخاصة في فصل الصيف.
لقد رأيت.. مثلما رأى الآخرون.. مجرى النهر في كثير من أنحاء المحافظة ابتداءً بخروجه من سد الرستن وانتهاءً بمغادرته لبوابات القرقور في أقصى شمال سهل الغاب.. وقد جف تماماً.. وصارت الحيوانات ترعى فيه ملتمسة شيئاً مما قد يكون نبت على ضفتيه قبل الجفاف.
- إنها كارثة بكل ما تعنيه هذه الكلمة.. لأن النهر الذي ظل على مر السنين رمزاً لكل تجدد زراعي أدخل إلى القطر.. وعنواناً لكل التجارب البحثية التي تمت على ضفتيه.. أضحى الآن -ونتمنى ألا يستمر كذلك- مجرد مجرى مائي.. يجري أحياناً ويجف أحيانا.
- في قرية سريحين الواقعة إلى الجنوب الشرقي من حماة.. حيث تنتشر زراعة الخضراوات وأشجار الفاكهة.. وقف الفلاحون يضربون يداً بيد.. وهم يرون محاصيلهم تجف أمام أعينهم بسبب (التقنين) الذي أجرته مديرية حوض العاصي مضطرة.. بسبب النقص الحاد في منسوبي سدي قطينة والرستن.. وهي محاصيل خضراوات تحتاج إلى ري دائم ومتقارب قد لا يتجاوز في بعضها (5-6) أيام.. في حين أن فترة التقنين قد تتجاوز ال 10 أيام.. ما يدفعهم لأحد خيارين..اما اللجوء إلى مياه الصهاريج. وهي عالية التكلفة أو (تضمينها) للأغنام بأبخس الأسعار.
أما أحواض الأسماك المنتشرة في هذه المنطقة.. فلها حديث آخر لا يقل شأناً عن المحاصيل الزراعية.. فجدران بعضها يتعرض للتفسخ.. والانحلال لعدم وجود مياه مرطبة ما يعني تسرب المياه والأسماك إلى مجرى النهر الجاف.. وبعضها الآخر يتم فيها تدوير المياه- بعد أن يكون الأوكسجين قد استهلك فيها.. ما يتسبب في موت الكثير من الأسماك المكافحة للحفاظ على حياتها, والمشاتل الكثيرة المنتشرة في المنطقة لم يعد حالها أفضل من حال الأسماك والمزروعات.. فهي تتعرض للجفاف القسري بسبب فقدان المياه.
أما في سهل الغاب الواقع إلى الشمال الغربي من حماة, فلمياه العاصي حكاية أخرى.. حيث تنتشر معظم المزروعات الصيفية.. كالقطن والشوندر وعباد الشمس.. والفستق.. والخضراوات بأنواعها.. وهي التي كانت تعتمد عادة على سدات كثيرة.. تبدأ من سهول طار العلا العشارنه- مروراً بسهول سلحب ونهر البارد وشطحة وانتهاءً ببوابات القرور.. والتي تصلها المياه عبر قناتين رئيسيتين هما ج2 وج4.. وعلى إعادة استعمال المياه المنصرفة من عشرات المسامك المنتشرة في السهل.
هذه السدات ومعناها اعتراض مجرى النهر بشكل مؤقت لا وجود لها الآن تقريباً بسبب عدم وجود جريان مائي.. والمسامك تعاني هي الأخرى من تقنين حادٍ لمياهها بسبب اعتمادها على مضخات تعمل بالمازوت الذي تضاعف ثمنه 3 مرات ونصف ما دفعها لتدوير مياهها هي الأخرى ومنع أي منصرف مائي بالخروج منها.
والينابيع الكثيرة التي كانت تغذي السهل جفت تماماً هي الأخرى وخاصة ينابيع عين الطاقة التي كانت مصدراً مائياً أساسياً في المنطقة.. والفلاحون الذين وجدوا أنفسهم فجأة أمام كارثة فقدان المياه.. لا يعرفون كيف يتصرفون.? وإلى أين يلجؤون وهم يرون محاصيلهم تذبل وتجف أمام أعينهم كما هي الحال مع مزارعي القطن في قريتي الكريم والقاهرة.. الذين لم يستطعوا تأمين المياه منذ أسابيع عديدة.
المهندس مصطفى إبراهيم مدير الري في الهيئة العامة لإدارة وتطوير الغاب قال: كان مخططاً أن تتوفر كميات من مياه المسامك والينابيع تقدر بحوالي 30 مليون متر مكعب.. وبسبب ارتفاع أسعار المحروقات انخفض تصريف مزارع الأسماك.. كما أن معظم الينابيع جفت تماماً.. كما أن تقديم موسم الري بسبب انحباس الأمطار والتركيز على سقاية محصول القمح, ساهم في استنفاذ كميات كبيرة من المياه.. يضاف إلى ذلك إعطاء رية إضافية لمحصول الشوندر بسبب تأخر نضوجه. وقال: نحاول استجرار كميات إضافية من سد محردة.. وضخها عن طريق محطة ضخ الشريعة.. ونحن بانتظار جواب مديرية ري حوض العاصي.
باختصار.. هذا وصف دقيق للحالة الراهنة لواقع الزراعة على ضفتي نهر العاصي.. وهو بمثابة ناقوس خطر لا بد من وصول صوته وصداه إلى جميع الجهات المعنية لاتخاذ كافة التدابير اللازمة.. لمنع هذه الكارثة أو الحد على الأقل من أضرارها.. وذلك باتخاذ كافة الإجراءات الكفيلة.. بالخروج من هذه الأزمة بانتظار رحمة السماء.. وفي مقدمة هذه الإجراءات منع التعدي على مياه النهر واستجرارها بشكل غير مشروع.., وتحديد زراعات شتوية وصيفية لاتحتاج إلى الكثير من المياه.. وإغلاق الآبار غير المرخصة المحفورة على جانبي مجرى النهر.. وغيرها من الإجراءات التي تخدم سياسة مائية صارمة.