تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


مقاهي العظماء في باريس

عن نوفيل اوبسرفاتور-
ثقافة
الاثنين 22/9/2008
مها محفوض محمد

ضمن سلسلة حكايا المقاهي الأدبية نشرت مجلة نوفيل اوبسرفاتور تحقيقاً عن تاريخ أقدم هذه المقاهي (لوبروكوب).

عرف مقهى لوبروكوب رواداً كباراً أدباء وفلاسفة من أهمهم فولتير ديدرو وجان جاك روسو وعدد من قادة الثورة الفرنسية إضافة إلى بنيامين فرانكلين.... فأين يقع لوبروكوب ?‏

هل تسكعت في بولفار سان جرمان الشهير وهل وصلت إلى زاويته الشمالية , هناك تجد المقهى بواجهته الفخمة في زاوية اشتهرت آنذاك بإنتاج عصائر الورد وأطيب أنواع الزهور ماأضفى على المقهى عبقاً مميزاً .‏

تأسس البروكوب عام 1686م العام الذي لاينسى في تاريخ الأدب فقد شهد موت المسرحيين العملاقين موليير وكورنييه كما شهد إشعاعات أدبية لمشاهير العصر مثل راسين وبوالو ولافونتين , وفي ذاك الزمن كان إنشاء المقاهي يعد من صرعات العصر , أيضاً في ذلك العام صدرت رخصة افتتاح مسرح فيلارموني في شارع مجاور للمقهى , بينما كانت دار الكوميديا الفرنسية قد استقرت على الضفة الثانية للنهر , أما اسم المقهى بروكوب فقد اشتق من اسم عائلة متعهد بناء من باليرمو في صقليا يدعى فرانسيسكو بروكوبيو وكان قد تعلم المهنة لدى الأرمن وبدأ حياته في استثمار المقاهي , وعندما تحسنت أحواله اختار هذا المكان ليؤسس البروكوب في أقدم المناطق الباريسية , وحيث عهد بديكوره الراقي وقتئذ إلى أحد الفنانين الطليان وبعد الافتتاح أصبح المقهى ملتقى لعشاق الأدب والفن وخاصة المسرح فكان ممثلو المسرح يذهبون إليه كل مساء بعد نهاية عملهم ليشربوا كأساً من الخمر أو أكواب الحليب الحار خاصة عند الاحتفال بالنجاح.... أحد كبار الصحفيين في القرن الثامن عشر لويس سيباستيان ميرسيه كتب مقالاً في 25 كانون الثاني 1799م يدرك القارئ من خلاله العلاقة التي كانت قائمة مابين المسرح والمقهى وكيف كانا يشكلان عنصر جذب لشباب تلك المرحلة , يقول ميرسيه في مقاله : عندما ذهبت للمرة الأولى عام 1757م لمشاهدة المسرح وبعد دخولي الصالة شكلنا يومئذ مانستطيع تسميته (كتيبة) من شباب الآداب ومع نهاية العرض ذهبنا إلى مقهى البروكوب لنتحدث عن الفن وجاء النادل المعروف من قبل الجميع ليسكب المشاريب الحارة واقترب مني وهمس في أذني ( سقى اللّه تلك الأيام الخوالي) وكان يقصد أيام المسرح والأعمال الكبيرة حيث كان في نهاية كل عمل يقوم على خدمة النجوم.‏

جان جاك روسو الكاتب المسرحي كان يختار إحدى زوايا المقهى ويجلس فيها ليحوم حول الشخصيات التي سيعطيها الأدوار وفيها التقى روسو بالممثل المشهور لانو الذي قبل حينها أن يلعب دور نرجس في إحدى مسرحياته وفي ذلك المقهى اختار الممثلات دوسين وغراندفال , لكن مسرحيته هذه لم تسجل في سجل المسرحيات الخالدة كما في سجلات موليير كما كان روسو يجلس في المقهى لينسى أحزانه ويحتسي الخمر مع بوازي وبعض الكتاب والنقاد .‏

وعرف المقهى أيضاً الفيلسوف الكبير فولتير الذي كان يلقب بإله المقهى ليس فقط فولتير بل نستطيع القول إنه ما من مثقف في ذلك العصر إلا وكان يرتاد البروكوب لذا فقد كان يسمى بالمقر العام للمثقفين , ومنها بالذات قرر الفيلسوف الشهير ديدرو البدء بتشكيل موسوعته , فولتير كان له مكتباً خاصاً في المقهى تشع منه أنوار حقيقية لفيلسوف عصر التنوير. لقد لعب ذلك المقهى في أحيان كثيرة دور القاطع في حياة الكثير من الأدباء فمنه انطلقت الشرارة الأولى لأعمال فلسفية بدلت وجع الغرب بل العالم. الأديب آرسن هوساي كتب يقول: كان مقهى البروكوب في القرن الثامن عشر أفضل صحيفة باريسية على الإطلاق ومن رواده دي فونتين وفريرون وماليفو وبوشيه ورامو والقائمة تطول وصولاً إلى كودورسيه واولباخ .‏

من البروكوب انطلقت شرارة الثورة الفرنسية ففيها كان يلتقي مارات ودانتون وروبيسبير وحول أكواب الكريما التي كانوا يشربونها عقدوا مجالس الحرب , هيبريت كان هناك أيضاً وإلى جانبه جلس خطيب الثورة ميرابو وكانت طاولته محجوزة دوماً باسمه . في عام 1728م قال الفيلسوف مونتسكيو :‏

( لو كنت حاكماً لهذا البلد لأقفلت المقاهي التي يرتادها أناس يقومون بإشعال الأدمغة) من رواد المقهى المعروفين أيضاًً الرئيس الأمريكي فرانكلين وهناك وضع الأسطر الأولى للدستور الأمريكي الجديد, وفي هذاالمقهى اختيرت القبعة الفرنسية لتكون شعاراً للثورة وفيه أيضاً اتخذ القرار بالهجوم على قصور التويليري الملكية في 11 آب 1792م وبالطبع بعد هذا التاريخ الأحمر جاء زمن قطاف العنب الباريسي وشرب منه هؤلاء السادة . كما لم ينس الشعراء ذلك المقهى فقد كتب بول فيرلين عام 1865م قصيدة ذكر بها كثيراً مقهى البروكوب وأنه كان ملاذه في كثير من الأوقات , أيضاً هيغو ذكر المقهى في روايته التي تحمل عنوان (93)والتي ألحق اسم ديدرو بها معتبراً أن المقهى كان المكان الأقرب لقلب ديدرو .‏

واليوم أول مايدخل الزائر البروكوب تطالعه قبعة نابليون في المدخل فيخال نفسه في متحف أو معبد ....لوحات ومستندات أخرى تستحضر الثورة.... إعلان حقوق الإنسان , حتى الحمامات فيها صفائح كتب عليها (الجميع متساوون ) طاولة فولتير مازالت على حالها , طبق الدجاج بالخمر , وقد تغمض عينيك للحظات فتحسب أن فولتير وديدرو جالسان هناك.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية