لا ريب بأن عدم التوصل إلى اتفاق إطار عمل في شهر آذار القادم سيفضي إلى ورطة يصعب تجاوزها لاسيما وأن أولئك الذين يعارضون العمل الدبلوماسي بين إيران والغرب ما انفكوا يبذلون الجهود لإنهاء العملية بشكل تام ولا شك بأنهم سيلقون من يؤيدهم ويناصرهم في هذا التوجه.
لم يدخر المناهضون في كل من طهران وواشنطن وتل أبيب جهدا في العمل على إجهاض الاتفاق. إذ يسعى البعض للحد من قدرة الرئيس باراك أوباما الذي يحاول تقليص حزمة العقوبات المفروضة على إيران. بينما يسعى آخرون لمحاصرة إيران والضغط على حكومتها علها ترتكب ردود أفعال غير محسوبة ما يفضي إلى إضرام النار في المنطقة برمتها. ويرى المتشددون في كل من الولايات المتحدة الأميركية وإيران بأن المفاوضات النووية فرصة لتحقيق أهدافهم على الصعيد الداخلي لذلك يبذلون مساعيهم لإفشال الصفقة الكبرى.
على الرغم من تكريس إدارة أوباما نفسها لدبلوماسية متعددة الأطراف مع إيران، نجدها تتعرض لضغوط مستمرة من قبل الكونغرس، حيث دعا كل من المشرعين الأميركيين وجماعات الضغط المؤثرة والرئيس الإسرائيلي لممارسة ضغوط إضافية على إيران بغية انتزاع مزيد من التنازلات، لكن هذا الأمر لا يتعارض مع مصالح أميركا لجهة إزالة الجليد عن البرنامج النووي الإيراني فحسب بل إنه يقلل من أهمية اتفاقية تلقى الدعم من قبل كل من إيران وفرنسا وبريطانيا وروسيا والصين وأميركا وألمانيا.
ولا شك بأن تهديدات المشرعين الأميركيين المتعلقة بفرض مزيد من العقوبات على إيران أفسدت روح المحادثات وخلقت شكوكا لدى الإيرانيين بشأن قدرة الولايات المتحدة ورغبتها في الوفاء بالوعود التي قطعتها الأمر الذي شجع المتشددون في طهران للرد بإطلاق تهديدات بشأن زيادة قدرة إيران على التخصيب.
خلال خطابه بشأن حالة الاتحاد، أوضح أوباما بأنه سيستخدم الفيتو في حال فرض عقوبات إضافية على إيران. وعلى الرغم من إدراك المسؤولين في طهران بأن ذلك يمثل بادرة حسن نية من جانب أوباما، فإنه لم يغب عن ذاكرتهم بأن مشروع قانون أقره الكونغرس أواخر عام 2013 حظي بتأييد واسع. وإزاء ذلك يكتنف المسؤولون الإيرانيون الريبة والشك من عدم وفاء إدارة أوباما بالوعود التي قطعتها بشأن تخفيف العقوبات الأمر الذي يعد جزءا من الاتفاق النهائي. علاوة على ذلك تخشى إيران من أن يصبح فيتو أوباما غير مجد في ضوء وجود أغلبية جمهورية في الكونغرس حيث شهدنا دعوة المتحدث باسم مجلس الشيوخ جون بوينر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لإلقاء كلمة للمرة الثالثة في الكونغرس.
في الوقت الذي تحرص به إيران على كسب ثقة الغرب ثمة خشية أن يلحق الضرر بها كمحاور صادق بإقدامها على الانتقام من الهجوم الإسرائيلي الذي افضى إلى مقتل عنصر من عناصر حزب الله وجنرال إيراني في سورية يوم الأحد الماضي. لا سيما وأن إيران تعتقد بأن الهجوم كان عملية إسرائيلية تستهدف مسؤولا إيرانيا رفيع المستوى. ورأى متشددون بارزون في المؤسسة الأمنية الإيرانية بأن الفعل العدائي الذي نفذته إسرائيل يستوجب القيام برد مباشر عليه. لكن أي عملية انتقامية، سواء كانت علنية تقوم بها إيران أو سرية ينفذها حزب الله، فإنها من المرجح أن تدفع حلفاء إسرائيل في أوروبا وأميركا لوقف المفاوضات النووية بشكل نهائي.
على إيران أن تقرر كيف تعلن على الملأ رغبتها بتقديم الدعم والمساندة لانتقام يقوم به حزب الله وبذات الوقت تؤكد بأن ذلك لن يؤدي إلى تهديد الهدف الاستراتيجي طويل الأمد في التوصل لاتفاق نووي. وما يجدر ذكره في هذا السياق أن إيران تصرفت بحكمة بالغة عندما تجنبت أي انخراط في نزاع غزة الذي جرى الصيف الماضي.
علما أنه في الأحوال التي ترد بها إيران، أو يقوم متشددون إيرانيون بتنفيذ عمليات غير رسمية، فإن ذلك سيصعد المواجهة الإيرانية-الإسرائيلية وقد يؤدي إلى عرقلة المحادثات النووية تماما.
إن شهر آذار سيكون شهرا حاسما بالنسبة للأطراف كافة. وقد تفضي نتائج الانتخابات الإسرائيلية إلى إسكات المعارضة الشرسة في تل ابيب المناهضة للمفاوضات الحالية مع إيران. أما بالنسبة إلى نتنياهو، فإن عرقلة أي اتفاق نووي هو استثمار شخصي له ذلك لأن بعض منافسيه السياسيين لا يشاركون بالضرورة حماسه بهذا الشأن حيث يرون بأن اتفاقا نوويا لا يشكل تهديدا لإسرائيل بل ربما يساعد في تقوية العلاقات مع حلفاء إسرائيل الأقوياء من الدول الأوروبية والولايات المتحدة الذين يسعون لتحقيق اتفاق نووي مع إيران. وفي حال هُزم نتنياهو من قبل المعارضة الأقل تشددا فسيكون لدى إدارة اوباما الوقت لعقد اتفاق مع إيران ذلك لأن الكونغرس سيتعرض لضغوط إسرائيلية أقل.
إن شهر آذار شهر ذو أهمية بالنسبة للرئيس الايراني الذي يتشوق لرفع العقوبات والانخراط مع الغرب. وهذا سيشكل دفعا انتخابيا له وللمعتدلين الذين يسعون لتقوية موقفهم في الانتخابات البرلمانية القادمة.
بعد أن تم تمديد المفاوضات للمرة الثانية في شهر تشرين الثاني، ناشد روحاني الشعب الإيراني والفصائل السياسية الأخرى والمرشد الإيراني الأعلى للتمسك بالأمل والصبر. وقد تبنوا مطلبه لكنهم لن يسمحوا باستمرار المحادثات إن لم يكن هناك تخفيفا ملموسا للعقوبات في الأفق.
إن تمديد المفاوضات أوقف الخطاب العدائي بين إيران والغرب. لكن التقدم الفاتر دون تقديم تنازلات ملموسة أمر يباركه المناهضون له، الذين يستغلون الوقت الإضافي لعرقلة الدبلوماسية.
يجب على إيران ألا تسمح للأحداث الأخيرة التي جرت في المنطقة ان تثنيها عن تحقيق هدفها الاستراتيجي الشامل ألا وهو تحقيق اتفاق نووي يفضي إلى تخفيف العقوبات ويوفر لإيران خيار إقامة علاقات مع الغرب.
وبالمثل، على الولايات المتحدة ألا تسمح للكونغرس بعرقلة الاتفاق الذي من شأنه أن يحقق مصالح الولايات المتحدة على المدى الطويل ويعزز الأمن الدولي.