فكلام سماحة السيد حسن نصر الله في ذكرى شهداء العدوان الإسرائيلي في القنيطرة كان بمثابة صواريخ تمطر الحالة النفسية الإسرائيلية والمؤسسات الرسمية هناك التي كانت تترقب الحرف الذي ينطق به سماحته فتستنفر، وليس فقط للحرف المنطوق بل لحركة اليد أوالإصبع أوعقدة الحاجبين من شدة الارتباك الذي التصق بأنفاسهم ونبضات قلوبهم.
هوالصراع الذي يدار على كل الصعد والمستويات النفسية والسياسية والعسكرية منذ زمن طويل، الصراع الذي باتت تدرك إسرائيل ممن خلاله أن زمن الغطرسة والعنجهية والابتلاع قد ولّى إلى غير رجعة.. فقواعد الردع لم تعد تعنى بالاعتبارات الإقليمية والدولية وما يرتبط بها من عوامل اشتباك بين القوى المتصارعة بل باتت ترتبط فقط بعوامل المعركة والفعل ورد الفعل فيها.. فلا ملف نووياً في إيران، ولا انشغال داخلياً في سورية، فالمعركة واحدة، والخندق واحد، والمصير واحد، والعدوواحد، وما أعلنه سماحة السيد بالأمس كان على لسان كل منظومة المقاومة وليس حزب الله فحسب.
فالرسائل الموجهة للكيان الإسرائيلي من سماحة السيد حسن نصر الله زلزلت أركان إسرائيل, فقواعد الاشتباك قد تغيرت على مستوى الصراع مع إسرائيل لأول مرة بقرار منظومة المقاومة وليس إسرائيل، وتلعن بشكل واضح لا لبس فيه دون مناورات سياسية ولا تجميلات دبلوماسية، بل بلغة مفعمة بالتحدي والوضوح كوضوح الحق الذي تستقي منه وجودها وكوضوح النهار الذي جاء فيه الرد على عملية الغدر الإسرائيلية.. وعلى ما يمكن أن يكون من محاولات غدر في المستقبل سواء لعملية أمنية أم عسكرية تطول أي عنصر من عناصر الحزب.. لم يصدر الرد على خطاب السيد حسن نصر الله من إسرائيل بل كان من صحيفة الواشنطن بوست التي سربت خبراً في اليوم التالي للخطاب يتعلق بتورط وكالة المخابرات الأميركية في اغتيال القائد العسكري لحزب الله عماد مغنية في دمشق في شباط 2008 إلى جانب الموساد الإسرائيلي.. فلماذا بعد سبع سنوات تقريباً تكشف مثل هذه الحقيقة من صحيفة أميركية وبعد يوم واحد من خطاب سيد المقاومة الذي أعلن فيه انتهاء زمن الالتزام بقواعد الاشتباك في الصراع مع إسرائيل ؟؟ فهل هي بمثابة رسالة شفهية رداً على رسائل سيد المقاومة مفادها أن الولايات المتحدة تعمل بالتوازي مع إسرائيل وتقف ورائها، وبالتالي إن تغيير قواعد الاشتباك مع إسرائيل سيؤدي إلى تغيير قواعد الاشتباك مع الأميركي أيضاً بالمعنى السياسي والعسكري الحاصل حالياً؟؟
فإذا كان هذا التسريب الصحفي هوفعلاً بمثابة رسالة تنطوي على كشف لحقيقة اصطفاف سياسي أميركي خلف الكيان الإسرائيلي، فهولم يأتِ بجديد على الإطلاق، وإن كان لمجرد التهويل بأن الولايات المتحدة معنية بأي متغير في أسس وقواعد الاشتباك مع إسرائيل، فهي أيضاً لم تأتِ بجديد.. فإسرائيل لم تكن يوماً وحدها في أي مواجهة لا على مستوى الدعم السياسي في المؤسسات الدولية كمجلس الأمن الذي على الدوام كان يتخذ قراراته لإنقاذ إسرائيل ولحفظ ماء وجهها، ولا حتى على مستوى الدعم العسكري الذي يضع كل إمكانات الولايات المتحدة العسكرية وأساطيلها البحرية والجوية تحت تصرف إسرائيل، وبالتالي فإن حزب الله ومحور المقاومة يدرك واقع الصراع مع إسرائيل بأنه ليس مع كيان بإمكاناته العسكرية والأمنية بل هومع منظومة عدوان إقليمية ودولية متشابكة في مصالحها بإبقاء المنطقة تحت وطأة النزاعات والصراعات الداخلية أوالخارجية.. وبالتالي مهما بلغت رسائل الرد على خطاب سيد المقاومة البارحة ومهما بلغ حد استفزازها من خلال كشف معلومات مخفية حول اغتيال قادة في منظومة المقاومة أوعمليات تطول مصالحها ؛ فإن ذلك لا يغير في حقيقة أن الصراع قد تغير مساره اليوم عما كان في الماضي، وبات مفتوحاً على كل الاحتمالات في الفعل ورد الفعل، لكن يبقى عنصر القوة في تلك الرسالة الشفهية من سماحة السيد حسن نصر الله من منطلق المبادرة في تغيير قواعد الاشتباك دون تردد واضعاً الكرة في الملعب الإسرائيلي وامتداده الأميركي والإقليمي، وإن غداً لناظره قريب..