تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


جبران هداية في تطلعاته الفنية الواقعية.. زهوة النور وشاعرية الحلم الأنثوي

ثقافة
الإثنين 2-2-2015
أديب مخزوم

يجسد الفنان جبران هداية مشاهد المرأة والزهور بأداء واقعي لافت، يصل على حقائق الأشكال في ظلالها وألوانها وشاعريتها واضوائها الباهرة، التي تصل في احيان كثيرة الى حدود البياض اللوني، ويركز لإظهار لمسات اللون الصافي بشكل واضح، والأجواء اللونية تأتي، في احيان كثيرة، بشكل هادىء، بعيد عن الانفعال، كما تظهر لمسات النور الشفافة والزاهية.

رصانة تقنية‏

وهذا يعني أنه يبتعد عن الكثافة اللونية وعن العفوية في معالجة المادة اللونية (رغم وجود بعض الاستثناءات) ومن هذه الزاوية فهو يجسد المرأة وموضوع الزهور، بإيقاع متوازن وساكن يعتمد على الدقة في التأليف والنظافة في التلوين ويتميز أسلوبه بنفحة شاعرية ورومانسية، ورغم كل الاهتمام بالصوغ الشكلي واللوني المنظم، والخاضع في أكثر الأحيان للمنطق الواقعي، نستطيع أن نلمس في خلفيات بعض لوحاته لمسات وبنى تشكيلية تجمع ما بين التجريد الغنائي والهندسي، وتأخذنا إلى مشهدية تبرز الشكل اللاواقعي في الشكل الواقعي، وهذا يعمل على إضفاء حوارية بصرية تجعل البنى التشكيلية التجريدية، تتفاعل مع البنى الواقعية التفصيلية، إذ ينتقل جبران في صياغة اللوحة الواحدة أحياناً، من التجسيد الواقعي الصافي إلى الأداء التشكيلي الحديث، الشيء الذي يضعنا أمام زمنين، زمن المنطق الواقعي الصارم، وزمن التعبير اللوني الذي يبقى في حيز التجريد الهندسي في خلفيات اللوحة.‏

روحانية اللوحة‏

وأعمال جبران وإن اقتربت في بعض مقاطعها من التشكيل الهندسي الحديث، فهي تشير إلى تصميم صاحبها على البحث عن خصوصية في التجربة التشكيلية التي بدأها منذ سنوات طويلة، وهي تدل على تكثيف ومثابرة دؤوبة على التواصل مع الطروحات الواقعية العاشقة لزهور النور ولشاعرية الأداء التلويني المركز والمدروس.‏

وهو في الغالب يعمل على أرضية لونية داكنة، تتخللها عناصر واقعية مصاغة بإضاءات قوية و ساطعة، بحيث يضفي نورانية واضحة على سطح اللوحة، وهو يركز لإظهار عنصر الرقة على أشكاله المرسومة، فالمرأة الخاشعة، منفردة أو مجتمعة تبدو في لوحاته أكثر اقتراباً في أجواء الحلم. كما ان النورانية التي يضفيها على أشكاله تشير عموماً إلى ملامح السمو، وبالتالي تقيم علاقة مزدوجة بين الحلم والواقع، وبين الروح والمادة.‏

هكذا يركز في لوحاته لإظهار النور وشاعرية الحلم والاضاءات الباهرة، ويمكن القول إنه يمزج بين تشكيل اللوحة الواقعية، وبين المناخية الأيقونية للوصول إلى نورانية الأشكال في الوجوه والأجساد النسائية وعناصر الزهور والورود. والألوان القوية لها علاقة بذاكرة الإضاءة في المشهد المحلي، والتي تتخذ في أكثرية لوحاته طابعاً روحانياً ينبض بنورانية شرقية تختصرها إضاءة ساطعة تبهر الأبصار.‏

هكذا نجده يتدرج من الوضعية الواقعية والشاعرية والرومانسية التي كانت سائدة في بعض أعماله السابقة، إلى الأجواء اللونية الصارخة الحاملة مسحة فنية خاصة تتفق والانفعالات اللونية، التي تدفعه إلى صياغة تجريدية خالصة، ونجده في لوحاته الاحدث يغامر مع اللمسة العفوية للوصول إلى أبعاد تشكيلية متحررة تجسد الأحاسيس الصادقة، وتشكل عودة إلى حيوية وإيقاعية وعفوية اللمسة والمناخ الواقعي.‏

ضمن هذا السياق تتوضح الدلالة البصرية في تشكيل اللوحة عنده عبر عنصرين أساسيين هما:‏

هندسة الخلفيات .. والدقة الواقعية‏

تصوير الوجوه والاجساد والزهور والعناصر المختلفة بطريقة استخدام لمسات الريشة الهادئة، مع اضفاء الرومانسية والشاعرية والواقعية.‏

صياغة ما تبقى من مساحة اللوحة باعتماد المساحات اللونية التي تتفاوت في درجات اضاءاتها، وتتمثل في القدرة على تجسيد الأحاسيس الداخلية بالتعبير اللوني الذي يبدو أكثر اتجاهاً نحو الأجواء التعبيرية وصولا الى العناصر التشكيلية الحديثة.‏

ونتساءل لدى استعراضنا لهذه الأعمال عن مدى الجهد الذي قدمه للوصول إلى إيقاعات جديدة مغايرة لما طرحه في لوحاته السابقة، فنجد أن الإضافات اللونية في اعماله الاحدث قد اتسمت بشيء من العفوية لجهة وضع اللون ورسم الخطوط.‏

غير أن تزخيم التعبير باتجاه هندسة الخلفيات، يجعلنا نقف أمام تحولات جديدة تؤكد خطوات البحث والاختبار، والتي تطرح بعض القيم الجمالية الوثيقة الصلة بتأملات الفنون الحديثة والمعاصرة.‏

فبالعودة إلى بعض اعماله نجده اعتمد على تقنيات تصويرية قديمة وحديثة في آن واحد، فاللون جمع بآن واحد بين الدقة الواقعية والهندسة اللونية، وبدت بعض اجزاء لوحاته أكثر استجابة للإيقاع الداخلي الذاتي عبر المساحات المتجاورة والمتداخلة مع الشكل الواقعي احياناً، وهذا يساهم في اخراج اللوحة من واقعيتها التقليدية،. وهكذا تلتقي في اللوحة الواحدة احياناً وفي ان واحد تقنيات التصوير الواقعي، مع تقنيات التشكيل الهندسي الحديث.‏

وعلى هذا يمكننا القول إن لوحاته تمد جسراً مع ثقافة الفنون الحديثة المعاصرة، وتحقق التواصل مع الطروحات الجمالية القديمة، حتى في خطوات اعادة الاعتبار إلى المشهدية التصويرية الواقعية.‏

ولوحاته الأحدث تستعيد كامل تقنياته التي اختبرها في مراحل سابقة، حيث يستفيد من خبراته في صياغة المشهد الواقعي، وفي تشكيل المساحات الصارمة والحديثة في لوحات أخرى، والتشكيل الهندسي الذي غاص في أسير سراباته وجمالياته وإيقاعاته في اجزاء من لوحاته، ليس هو التجريد المطلق أو الكلي أو الجزئي، إنما هو التشكيل الذي يتوازن تماماً مع معطيات الواقع، وبمعنى آخر بحوثه الحديثة تتوازى مع بحوثه الواقعية، فأسلبة المساحة اللونية، لا تلغي المساحة الواقعية ولا تخفف من حدتها ومن جماليتها ومن عقلانيتها وأناقتها.‏

وهو لم يهتم مثل بعض رفاقه من الفنانين، بمسألة العمل على تقنية تمجد مدرسة على حساب أخرى مناقضة لها، إنما عمل على جمع النقيضين الواقعي والحديث،التشخيصي والهندسي، العقلاني والعفوي، الثابت والمتحرك في لوحة واحدة.‏

جبران هداية من مواليد عام 1946، درس الفن في كلية الفنون الجميلة، وهو يشارك في المعارض الجماعية الرسمية منذ نهاية سبعينات القرن الماضي، اضافة لمعارضه الاخرى وعمله في مجال التدريس الفني.‏

facebook.com/adib.makhzoum‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية