وأعتقد أن الحديث عن ضرورة إيجاد حل للتخلص من هذه الروائح الكريهة، يطرح قضية كبيرة أمام موضوع إعادة الإعمار في سورية.
إن سبب الروائح الكريهة أن النهر قليل الغزارة في الصيف وشحيح جداً ولولا محطة الزبداني لمعالجة مياه مجارير بلودان والزبداني وبقين وعدة ينابيع صغيرة على مسار مجراه من سهل الزبداني إلى دمشق لكان جف تماماً فهو تاريخياً في الصيف واحد متر مكعب في الثانية وقد تم أخذ هذا المتر المكعب في الثانية من النبع مباشرة بالضخ إلى منظومة مياه الشرب في دمشق.
وكان بردى عبر التاريخ يلتقي نهر الفيجة الغزير في الصيف ويشكلان نهراً واحداً إلى دمشق ظل اسمه بردى. إلا أنه ومنذ ربع قرن على الأقل راح سكان دمشق يشربون في الصيف كل مياه نبع الفيجة ولم تعد تخرج منه قطرة واحدة إلى مجرى بردى المار بمحاذاة نبع الفيجة.
المشكلة قديمة وتتفاقم في مثل هذا الشهر ثم تهطل الأمطار وينتهي كل شيء..!!
لكن هذه المشكلة تتفاقم مع الزيادة السكانية الكبيرة في دمشق وتأخر موسم الأمطار.
ليس خطأ أن نفكر بحلول إسعافية لجأنا إليها سابقاً مثل تعزيل النهر بسواعد المتطوعين والمتطوعات بأعداد هائلة وبإشراف الأمانة السورية للتنمية والهلال الأحمر السوري وهيئة تنظيم الأسرة وشبيبة الثورة، فزعة بيئية لإنقاذ نهر بات مكباً وبؤرة للمرض.
هناك من يؤكد أن سر الروائح كامن في الأوساخ التي ترمى في النهر والتي تنقع بقليل من الماء شبه الراكد ولهذا فإن التعزيل مفيد.
ويجري الحديث حالياً عن مواد عضوية - بكتريات - كتلك التي تستخدم في محطات معالجة المياة الآسنة، يمكنها تخليص النهر من الروائح الكريهة أو المواد الصنعية.
وطالما مثل هذا الحل موجود فلماذا الانتظار الثقيل المؤلم...؟
بيد أن هذه الحلول تبقى تخديرية ومؤقتة. إن ما نحتاج إليه لصيف طويل في بلادنا هو حلول جذرية حاسمة تبقي بردى رمزاً للبيئة السليمة الخضراء النضرة بصفته صانع الغوطة ولولاها لكانت الفيحاء صحراء!
وقد يطرح السؤال: إذا كنا في زمن السلم والرخاء والتنمية لم ننفذ فهل نقوى الآن ونحن في حرب مهول.
نعم إنه الوقت المناسب لأن عجلة إعادة البناء بدأت بالدوران ولأن إعمار سورية يلوح في الأفق وستضطلع به معنا، دول كبرى صديقة مثل إيران وروسيا والصين وما علينا سوى أن نصر على المنجزات البيئية كإنجاز المحطات الخمس المقترحة قبل الحرب لمعالجة المياه الآسنة، على مسار بردى إلى دمشق وبعضها داخل الفيحاء ذاتها وبناء سد العادلية لادخار فوائض بردى والفيجة والأعوج في الصيف وإجبار المطاعم الكبرى والفنادق والمقاهي على مسار النهر بناء محطات معالجة صغيرة.
قلنا سابقاً دمشق ستكبر سكانيا ونكرر ما قلناه بقوة أكبر ولهذا يجب اتخاذ ما من شأنه أن يؤمن الماء للقادمين الجدد والنسيم العليل الممزوج بعطر الياسمين.