تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


قالــــوا للســـــفاح: الملتقى قريب وأبناء الرجال الذين يقتلون اليوم.. جماجمهم ستكون أساساً للاستقلال

مئوية الشهداء
الثلاثاء 3-5-2016
قولوا لجمال باشا أن الملتقى قريب, وأن أبناء الرجال الذين يقتلون اليوم, سيقطعون بسيوفهم أعناق الظالمين, إن الدول لاتبنى على غير الجماجم وأن جماجمنا ستكون أساسا لاستقلال بلادنا.

بهذه العبارة المصطبغة بألوان البطولة العربية ينهي عبد الغني العريسي خطابه الموجه إلى جلاديه.‏‏‏

‏‏‏

ثم يقول العريسي لجلاده الذي اقترب منه ليضع حبل المشنقة في عنقه: « دعني أتكلم يا رجل احترموا إرادة إنسان ذاهب إلى الموت».‏‏‏

وكان قبل لحظات من ذلك قد شهد أحد رفاقه يواجه الموت البطيء فصاح: «عار عليكم ياقوم أن تعذبوا المحكوم عليه بالإعدام مثل هذا العذاب الهمجي, إن الإنسانية ستنتقم منكم».‏‏‏

كان ذلك صبيحة السادس من أيار حين وقف رتل طويل من المناضلين العرب يواجهون الموت بسخرية عجيبة.‏‏‏

كانت أعصابهم أشد صلابة من الفولاذ فلم تضعف أو تلين أمام مشاهد الموت.‏‏‏

وقام أحد الجلادين يقرأ المنشور الذي أصدره السفاح التركي جمال باشا, والذي كان ممهوراً بتوقيعه: «لما جرى القصاص على بعض الأشخاص المنتسبين إلى حزب اللامركزية, والذين حوكموا في ديوان الحرب العرفي, كنت قد كتبت في البيان الذي نشرته, أن التحقيقات جارية بصورة دقيقة, بحق أعوانهم الأشرار الذين لم يكن قد قبض عليهم من قبل.‏‏‏

وفي ختام التحقيقات والمحاكمات التي أجراها الديوان العرفي في عاليه, صدرت الأحكام المقتضاة بحق المظنون فيهم من الموقوفين والفارين, كل حسب اشتراكه في ترتيبات هذه الجمعية التي غايتها سلخ سورية وفلسطين والعراق عن راية السلطة العثمانية, وجعلها إمارة مستقلة, فحكم عليهم بالإعدام لثبوت اشتراكهم في هذه التشكيلات بصورة فعلية..».‏‏‏

ونطق الجلاد بأسماء فريق من قادة الأحرار كانوا طليعة القافلة من الشهداء الذين روت دماؤهم تربة الوطن الحبيب, التي أنبتت ناراً لاهبة أحرقت الأرض والسماء تحت أقدام المستعمرين وفوق رؤوسهم فأعادت لبلادنا وجهها العربي, وجهها النير المشرق.‏‏‏

ويصف أحدهم اللحظات التي أعقبت قراءة المنشور قوله: «.. نصبت المشانق في وسط الميدانين, المرجة في دمشق والبرج في بيروت, ونفذ الحكم في المدنيتين في آن واحد قبيل طلوع الفجر.‏‏‏

المشانق بدائية, حبل يتدلى من عود خشبي غليظ مسند أفقياً على عمودين غليظين عاموديين, وكرسي من الخشب يقف عليه الشهيد, ثم يرفع من تحت قدميه فيهوي جسمه.. ويعقد الحبل على عنقه.. فيموت بعد دقائق ينتفض فيها جسمه كالطير المذبوح..‏‏‏

ولم يحدث أن انهارت أعصاب واحد من الشهداء أو سمعت من فم واحد منهم عبارة خوف أو ندامة، أحراراً عاشوا, وماتوا شجعاناً..»‏‏‏

أما الشهداء الذين تدلت أجسامهم على أعواد المشانق في دمشق وبيروت فمنهم:‏‏‏

عبد الحميد الزهراوي مؤسس المنتدى العربي والذي تولى رئاسة الجمعية اللامركزية.‏‏‏

سليم الجزائري يقول: سأعلم أبناء بلادي من وراء القبر درساً في الوطنية، شفيق المؤيد الإخاء العربي.‏‏‏

عبد الغني العريسي الذي ساعد كثيراً على تهيئة الأفكار قبل انعقاد مؤتمر باريس لتحقيق.استقلال العرب.‏‏‏

سيف الدين الخطيب الذي كان يدير شؤون المنتدى الأدبي وكان على اتصال دائم مع أعضاء اللجنة المركزية في مصر.‏‏‏

محمود المحمصاني وكان يدير شؤون فرع الجمعية اللامركزية في بيروت.‏‏‏

أمين لطفي الحافظ رئيس جمعية العهد في حلب.‏‏‏

كما ضمت قافلة الشهداء:‏‏‏

عبد الوهاب الإنكليزي, عمر حمد, عارف الشهاب, عبد الكريم الخليل, أمين عمر, علي الأرمنازي, محمود العجم, عبد القادر الخرسا, رشدي الشمعة, رفيق رزق سلوم, جورج حداد, جلال البخاري, شكري العسلي, نوري القاضي, توفيق البساط, محمد المحمصاني, سعيد عقل, بترو باولي, صالح حيدر, حافظ السعيد, نايف تللو, الشيخ أحمد طبارة, سليم الجزائري, عمر الجزائري..‏‏‏

وفي اللحظات الأخيرة من حياتهم ردد الشهداء كلمات خالدة.‏‏‏

قال توفيق البساط:‏‏‏

« مرحبا..مرحبا.. أرجوحة الأبطال.‏‏‏

مرحبا.. مرحبا..قافلة الشهداء.»‏‏‏

وتوفيق البساط مناضل عربي من صيدا, وكان آخر من تقدم إلى المشنقة. وقد أسرع في خطواته ورفع رأسه عالياً ووثب إلى المنصة وبسط ذراعيه بتحية رائعة, ودوى صوته في السكون الرهيب ورمى الكرسي برجله فهوى جثة هامدة.‏‏‏

أما الشهيد عمر الجزائري, ابن الأمير عبد القادر الجزائري فقد رفع صوته قائلاً: «..فلتحيا أمتي العربية..»‏‏‏

وقال بترو باولي: « عجلوا..عجلوا.. نفذوا حكم الإعدام. خلصونا من وجوهكم القبيحة. لعنة الله عليكم. كان الأولى بكم, بدل أن تفحصوا أجسامنا بدقة, أن تحاكمونا بعدل. نحن لانخاف الموت.. ولا نهاب المشنقة.. خلصونا».‏‏‏

وقال سعيد عقل: «... أسأل ربي أن يكون دمي سبيلا لحياة بلادي.. وشرفاً لأمتي وأولادي».‏‏‏

وقال عمر حمد: «.. بلغ حكومتك الظالمة, أيها الضابط التركي الواقف أمامي أن الذي يعمله رجالها هنا الآن, سيكون سبباً لخراب الدولة وتقويض أساسها, أموت دون خوف, ودون جزع أموت فداء الأمة, خسئت ياهلال عثمان.‏‏‏

وشلت يمينك ياسفاح».‏‏‏

وقال أحمد طبارة:‏‏‏

إننا نموت فرحين في سبيل قومنا...‏‏‏

وقال محمد محمصاني:‏‏‏

«..يشهد الله أن ماعملناه من التهم الموجهة إلينا إنما كان عن اعتقاد وإيمان ثابت بأننا نخدم بلادنا وأمتنا تحيا أمتي..يحيا العرب..»‏‏‏

وقال سليم الجزائري:مخاطباً أحد الضباط الأتراك: «.. قل لهذا الخنزير الكلب, جمال باشا, ألا يفرح بموتي فروحي ستظل حية, وسأعلم أبناء بلادي من وراء القبر دروساً جديدة في الوطنية وكره الغاصبين»..‏‏‏

أما الذنب الذي اقترفه شهداء السادس من أيار فهو أنهم أرادوا الحرية لوطنهم.‏‏‏

فلقد عقد أولئك الأحرار مؤتمراً في العاصمة الفرنسية عام 1913 للبحث في استقلال وطنهم وكان أن اعتقل فيما بعد جميع الذين اشتركوا في المؤتمر من سورية ولبنان. واعتقل كل من حامت حوله شبهة العمل للقضية الوطنية. كما اعتقل كل من كان لجمال السفاح غرض شخصي أو مصلحة خاصة في اعتقاله واعتقل كل من وشى به الواشون.‏‏‏

وبينما كانت الاعتقالات مستمرة والمحاكمات متواصلة نفذ المستعمرون الأتراك خطة جهنمية للقضاء على كل حركة وطنية وقطع الطريق على كل ثائر متمرد ولقد نظم المتسلطون سياسة تجويع السكان فمنعوا عنهم المواد الغذائية وقطعوا الاتصال بين مختلف المناطق واستولوا على المؤن لأنفسهم وتاجروا بها وكانوا يبيعون السلع ثم يصادرونها ليبيعوها من جديد.. وكان أن عمت المجاعة البلاد وقدر عدد الضحايا في لبنان فقط بربع مليون..‏‏‏

ضد مثل هذا الظلم وضد مثل تلك الأنظمة الهمجية البالية ثار العرب الأحرار وكانت أناشيد المعتقلين تنفذ من أسوار السجون الضخمة. لقد كان يوم السادس من أيار يوما مشهودا في تاريخ العرب الحديث.‏‏‏

لقد جاء ينذر المستعمرين بأن عهدهم الظالم الذي دام قروناً قد بانت نهايته وشكية.‏‏‏

تحية للشهداء الأبطال الذين علموا الأجيال العربية الصاعدة دروساً في النضال بموتهم واستشهادهم في سبيل تحرر وطنهم.‏‏‏

تحية لنضالهم الرائع من أجل قضية بلادهم.‏‏‏

تحية لصمودهم الكبير في وجه محاولات القهر والتعذيب.‏‏‏

تحية لإيمانهم العظيم بعروبة وطنهم.‏‏‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية