وزارة المالية اعتبرت هذا التحرك ضرورياً يمهد لأول مزاد فعلي للأوراق المالية الحكومية الذي سيأتي في وقت لاحق لجهة تحديد الاحتياجات التمويلية وتوفير أدوات تسمح بتطوير سوق ما بين المصارف التي ستزيد بدورها من درجة كفاءة إدارة السيولة بها, والسؤال: هل ستعوض سوق الأوراق الحكومية الفرص المصرفية المهدورة التي تقدر بمليارات الدولارات?!
ليست المرة الأولى التي تتحرك فيها المصارف العامة والخاصة للإعلان عن أسعار الفائدة التي تريد دفعها وعن الكتلة النقدية التي تنوي استثمارها إذ إنها شاركت في المزاد التجريبي بداية العام, وهي تمهد اليوم بمشاركتها الثانية - لأول مزاد فعلي للأوراق المالية الحكومية التي تنوي المالية إجراءه عندما توافق الحكومة على الاقتراض بهذا الأسلوب وخصوصاً أن الأخيرة مستعدة من الناحية التشريعية والتنظمية لذلك!
وتشكل السوق أداة للسياسة النقدية للتحكم بحجم الكتلة النقدية علماً أن إحداثه يأتي في وقت يتزايد فيه معدل التضخم المالي الذي يمكن للأخيرة أن تعتبره وسيلة استثمارية للمؤسسات المصرفية بحيث تتيح مصدراً للتمويل على أسس حقيقية غير تضخمية وبديلاً أفضل مما هو نافذ حالياً عبر الاقتراض من المركزي ما يقلل من مخاطر الضغوط التضخمية والضغوط على سعر الصرف.
من هنا ثمة إجماع بين المصارف العامة والخاصة على أهمية إصدار سندات الخزينة وإن كانت الخاصة متحمسة أكثر فتدني نسبة التوظيفات قياساً لحجم الإيداعات لدى الأخيرة شكل عاملاً مقلقاً لا يمكن تجاوزه إلا بدخول تلك المصارف خط شراء أذونات الخزينة.
يقول باسل الحموي مدير بنك عودة سورية إن سندات الخزينة خطوة هامة فهناك - اليوم - نسبة تشوه في الاقتصاد متمثلة بالسيولة الكبيرة غير الموظفة فضلاً عن النمو المتسارع جداً للودائع, فلو كانت نسبة السيولة متناسبة مع نسبة الودائع, فإن المشكلة لن تكون مستعصية, ولكن عندما تنمو الودائع بنسبة مئة في المئة وتنمو التوظيفات بالنسبة ذاتها فإن المصرف سيتعرض لمخاطرة كبيرة جداً وذلك يشير إلى أن طريقة إقراضه تتم بشكل أعمى تماماً, وإذا نظرنا إلى ميزانيات الشركات والأفراد التي يقترض منها نجد أنها ضئيلة جداً وغير واضحة, في هذا الإطار يجب على القانون أن يكون محافظاً وأن يجعل الإقراض محافظاً أيضاً.
ويوافق وليد عبد النور مدير بنك بيبلوس سورية على هذا الطرح ويقول: إن جزءاً من التوظيفات يجب أن يذهب إلى السيولة التي عليها طلب, والتي ستكون بدورها سندات الخزينة, فبعد اليوم لم تستطع البنوك الحصول على توظيفاتها من البنك المركزي, إنما عليها أن تعطي سعر فائدة أفضل للمودع الذي يحتاج إلى أموال وودائع أكثر لتنمية محفظته وهذا يساهم من جانبه بتقليص الفجوة بين التوظيفات والإيداعات وسيضع هذه المصارف بشكلها الصحيح في السوق المالية وفي وظيفتها التنموية.
أما مدير المصرف العقاري د. ملهم ديبو فهو يرى أن طرح أذونات وسندات الخزينة سيؤدي إلى عملية منظمة لأسعار الفائدة في السوق, لأن المصارف ستقوم بشراء هذه الأذونات وستكون هناك أبواب أخرى للاستثمار تؤدي إلى استقرار وانخفاض عند فائدة معدلة تسمى معدل فائدة وسطي الأمر الذي يعود بالتنمية على المصرف والاقتصاد معاً.
يرى بعض المصرفيين أن ظروف القطاع المصرفي الحكومي لا تسمح له بالاستثمار في الأوراق الحكومية بشكل واضح خلال السنوات الأولى لإطلاق السوق إنما سيكون تدخلها محدوداً... ويرجع مدير المصرف الصناعي الدكتور أنيس المعراوي ذلك إلى الوظيفة التنموية التي تحددها الحكومة حيث ستبقى هذه المصارف تعمل ضمن وتيرة معينة تساعدها عملية طرح الأوراق المالية الحكومية على زيادة أرباحها وسهولة الحركة في تنويع خدمات وقنوات التوظيف معتبراً أن الاقبال على الأوراق المالية الحكومية سيظل مرتبطاً بسياسة كل مصرف وجنوحه نحو المخاطرة أو تقليل نسبها.
من جهته اعتبر مدير التجاري السوري د. دريد درغام أن سندات الخزينة من شأنها أن توفر للمصارف العامة فرص التمويل المتوسط والطويل الأجل كما أنها تشكل أداة جيدة من حيث المبدأ إذا وجدت السوق الثانوية التي تسمح بتسييل هذه الأوراق لجميع الراغبين بالاستثمار في أمور أخرى كالعقارات.