تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


الموسيقار سليم سروة .. ستون عاماً من الإبداع .. لحّن للوطن والشعب

ثقافة
الخميس 4-6-2009م
حوار: محمد قاسم الخليل

يعد الفنان الموسيقي سليم سروة من كبار الموسيقيين الذين أنجبتهم سورية ، وظل خلال نصف قرن نجما بارزا في قيادة الفرق الموسيقية في الإذاعة والتلفزيون ،

وواكب بألحانه القضايا والمناسبات الوطنية والقومية ، وفي مقدمتها الوحدة والثورة والتصحيح ، ونتذكر جيدا أغنية(حافظ يا حبيب الشعب ) بصوت المجموعة و( البعث قامت ثورته ) بصوت لودي شامية و( زيدي يا شام علوا ) لفاتن حناوي و( يا شام ) وديع الصافي ، ونشيد الجيش ( يا جيشنا ) وللأم ( يا أوفى كل البشر)، و لحن للأرض والعمل ،وغنى له مشاهير المغنين في العصر الذهبي للأغنية العربية.‏

سليم سروة أقعده المرض أخيرا لكنه لم يستسلم له ، فما زال يعمل ويعلم ويبحث ، وقد رفد المكتبة الموسيقية العربية مؤخرا بكتاب أكاديمي صدر عن الهيئة العامة للكتاب بعنوان ( المنهج التعليمي لآلة القانون الموسيقية) .‏

في زيارة لمنزل الموسيقار سليم سروة تحدث عن رحلة العطاء الموسيقي ، ويرى أنه لم ينل حقه من التكريم بعد أن قضى ستين عاما من العطاء الموسيقي المتواصل ، أغلبها في إذاعة دمشق ،وفي التعليم والتلحين والعزف وقيادة الفرق الموسيقية مع كبار المطربين العرب في سورية والوطن العربي والعالم .‏

وعندما سألناه عن أمنياته الآن ، اكتفى بالقول إنه الآن وهو على فراش المرض لا يريد سوى التقدير المعنوي لقاء جهوده ومساهماته في الموسيقا العربية والأغنية الوطنية .‏

وكانت زيارتنا للفنان سليم سروة مناسبة للحديث عن رحلة العطاء والإبداع الموسيقي ، وكانت البداية مع آخر عطاءاته وهو كتاب ( المنهج التعليمي لآلة القانون الموسيقية ) الصادر عن وزارة الثقافة ، ويزيد عدد صفحاته على خمسمئة صفحة من القطع الكبير، وكتبه وفق منهج أكاديمي ، ووضع فيه عصارة سني عمره .‏

منهج تعليم القانون‏

 صدر لكم منذ أشهر كتاب لمحة عن المنهج التعليمي لآلة القانون الموسيقية ، ما الذي دعاكم لتأليفه ، وماذا يحمل من جديد في التأليف الموسيقي ؟‏

  جاء هذا الكتاب خلاصة لأعمالي الفنية التي مارستها طوال خمسة وستين عاماً على آلة القانون الموسيقية الشرقية العربية، وكتبت هذا المنهج بطريقة سهلة وعصرية ليتمكن الطالب من العزف على هذه الآلة الموسيقية الرائعة بمفرده ودون الحاجة لمعلم.‏

وأشار سروة المولود في دمشق عام 1932 إلى أن بإمكان أي موهوب أن يستفيد من هذا الكتاب ليتثقف موسيقياً وفنياً .‏

 عودة إلى البدايات الأولى كيف تعلقت بالموسيقا ، وما المؤثرات للتخصص بآلة القانون ؟‏

  أنا من مواليد مدينة دمشق في أواخر عام 1932 ، كان والدي باسيل مطربا وملحنا وعازفا على الإيقاع في مدينة حلب ، وقد درس على يد الشيخ علي الدرويش ، ونحن عائلة موسيقية أباً عن جد منذ إقامتنا في حلب وقبلها في ماردين .‏

أما والدتي فهي دمشقية من حارة العبارة في حي باب توما ، وهو نفس المكان الذي ولدت فيه وأقمت فيه،ثم فيما بعد تزوجت في عام 1953 .‏

وقد انحاز والدي للعزف وتنقل للعمل في مدن وأقطار عربية، ورافق سامي الشوا في عدة جولات ، واستقر به المقام في فلسطين في عام 1936، و انتقلت عائلتنا إلى القدس عندما شكلت إذاعة القدس ثلاث فرق، فرقة سورية وفرقة مصرية وفرقة موسيقا حديثة بقيادة يوسف بتروني ، وكان من أعضاء الفرقة السورية تيسير عقيل ورفيق شكري وعبد الفتاح سكر وعمر البطش وأحمد الفقش وأسعد رستم وعلي الدرويش ومحمد محسن .‏

وقد بدأت رحلتي الموسيقية وأنا دون العاشرة من العمر بإشراف والدي ، فدرست الموسيقا وآلة القانون وعندما أصبحت في الثانية عشرة رأى أن دراستي بطيئة وعشوائية ، لأنني تعلمت العزف سماعيا ، ورأى أنه قد حان الوقت لأتعلم العزف الموسيقي حسب الأصول والمناهج، وعرض الأمر على يوسف بتروني، فاستمع إلى عزفي وقال للوالد : لا أرى تقدما عند سليم ، ووجهني للدراسة التطبيقية وان يعطيني ثلاثة دروس في الأسبوع .‏

ثم اشترى لي والدي قانوناً استانبولياً صغيراً،وهو مختلف عن القانون المعروف في المنطقة ، ومباشرة حملنا القانون وعدنا إلى منزل البتروني ، فأحضر كتاب ( الميتود روز) المنهج الوردي ، وهو منهاج السنة الأولى لتعلم العزف على البيانو ، وتابعت الدراسة معه لمدة ستة أشهر حتى أنهيت المنهج وأصبحت متمكنا من العزف على أي نوتة موسيقية .‏

 كيف كانت بدايات الاحتراف ؟‏

  في عام 1946 أصبحت في 14 من العمر، فطلب أبي من يحيى السعودي رئيس الفرقة الموسيقية في إذاعة القدس الاستماع إلى عزفي وعندما زارنا عزفت أمامه ولاحظت انه مسرور من عزفي ، ثم قال لوالدي: ترك العمل عازف قانون من مصر ولن استقدم غيره من هناك ، بل سيعزف سليم مع فرقة إذاعة القدس. ‏‏

كان يريد إصدار قرار تعييني في إذاعة القدس، لكن وبسبب صغر سني عملت بعقد وكان أجري خمسة عشر جنيها فلسطينيا ، وكان الجنيه الفلسطيني يعادل الإسترليني ، وهكذا عملت مع الفرقة السورية في إذاعة القدس ،وبعد فترة طلب السعودي أن أقدم عزفا منفردا على القانون لمدة خمس دقائق أسبوعيا .‏

واستمر عملنا في إذاعة القدس حتى عام 1948 عندما حلت النكبة ، وانتقل العاملون في إذاعة القدس إلى رام الله ، وقد عاد أكثر الموسيقيين العرب إلى بلادهم ، وانتقلت أسرتنا إلى رام الله واستأجرنا منزلا بقرب الإذاعة.‏

إذاعة دمشق‏

 كنت من الرعيل الأول في فرقة الإذاعة السورية ، متى بدأت العمل في إذاعة دمشق ؟‏

  أصيب والدي بمرض أقعده عن العمل وتوفي بعد عام من النكبة فترك أماً وستة أطفال وكنت لا أزال في السابعة عشرة من العمر ، وكان عليّ أن أقوم بإعالة الأسرة ، ريثما نقرر موعد العودة إلى دمشق .‏

وبعد عام ونيف وصلتني رسالة من الأستاذ أحمد عسة مدير إذاعة دمشق آنذاك، يذكر فيها أنهم يبحثون عن عازف قانون يجيد قراءة وكتابة النوتة الموسيقية ، ويحثني على العودة للعمل في إذاعة دمشق ، ولم أخذ الموضوع على محمل الجد وتمهلت بالرد ، ثم وصلتني رسالة ثانية بعد عشرين يوما حول ذات الموضوع يطلب فيها مدير الإذاعة جوابا تلغرافيا ( بالبرق ) ، واستشرت الوالدة فوافقت على العودة إلى سورية ،بل كانت سعيدة بذلك .‏

وفي اليوم التالي مباشرة أخذت سيارة خاصة وحملت معي القانون وحقيبة ثيابي وغادرت رام الله متوجها إلى دمشق عن طريق القدس وعمان ، ونزلت في فندق قريب من الإذاعة في شارع النصر .‏

وضعت أمتعتي وأصلحت هندامي وعند الساعة السادسة مساء كنت على باب الإذاعة وسألني الحارس عما أريد فقلت له : أريد مقابلة الأستاذ أحمد عسه ، فسألني عن اسمي قلت له: أنا سليم سروة.‏

ويبدو أنه كان يعلم بقصتي فدخل ثم عاد بعد لحظات وقبل أن يسمح لي بالدخول سمعت صوتا يناديني تفضل فصعدت الدرج وبدا أن المدير بانتظاري وأشار إليه الحارس بأنني المقصود فما كان منه إلا أن ضحك وقال تفضل وحتى تلك اللحظة لم أكن أعرف أنه المدير.‏

و بعد أن دخلنا المكتب عرفت أني بحضور المدير العام الذي مازال يضحك.. وقال: اتعبتنا يا رجل ننتظرك منذ خمسة وعشرين يوما ، ولما سألته عن سبب ضحكه أخبرني انه كان يظن أن سليم سروة رجل كبير ضخم الجثة ، فإذا به شاب صغير السن .‏

وطلب المدير حضور الموسيقيين العاملين في الاذاعة وهم شفيق شبيب رئيس القسم الموسيقي ورياض البندك وتيسير عقيل، وكان عقيل يعرف الوالد وعمل معه والبندك يعرفني فقد درست عنده المعلومات الموسيقية الشرقية في بيت لحم ، وقال العسه لشبيب : سليم باشر العمل منذ اليوم‏

وكتب لي المباشرة اعتبارا من ذلك اليوم 15 أيار 1951 .‏

وفي التاسعة من اليوم التالي كنت في استديو التسجيل ، وسمع شبيب عزفي دون أن أدري وجاء إلي وقال : يا سلام .‏

مطربون غنوا له‏

 متى كانت انطلاقة ألحانك الخاصة ، ومن غنى لك ؟‏

  أول لحن قدمته كانت قطعة موسيقية في عام 1952 بعنوان (ناديا) باسم خطيبته ويحكي أن قصة زواجه كانت تقليدية وكان في العشرين من عمره عندما ذهب إلى حلب لخطبتها ويومها عزف لهم على القانون ، وغنيت سمرا يا سمرا ، ووافقت على الزواج وأنجبا أربعة أولاد، اثنان منهما احترفا الموسيقا ، وتدبرنا أمر القانون وعملت «كشاتبين» من علبة حليب معدنية.‏

أما أول أغنية لحنتها فكانت موشحا من مقام الرصد بعنوان ( يا حبيب الروح ) أداه ياسين محمود ، وبعدها أقبل المطربون عليه يطلبون ألحانا وبلغ مجموع الألحان والقطع الموسيقية خلال مسيرتي الفنية أكثر من ألف وثلاثمئة لحن وقطعة ، وكانوا يأتون من لبنان والأقطار العربية لأقدم لهم ألحاني .‏

وممن لحنت لهم : صباح فخري في أغنية ( سلي فؤادي ) لشاعر تونسي اسمه محمد الغربي وقد سجلناها وغناها أمام الحبيب بورقيبة الذي وضع وردة على صدري وقال لي (أهنيك).‏

وغنت لي مها الجابري 32 لحنا منها ( شكونا إلى أحبابنا ) شعر الأحوص و(أنت يا حبيبي ) و(يا عاشقي ) كلمات ياسر المالح ، ومعن دندشي تسع أغنيات منها ( دنيتنا يسعد صباحك ) وسميرة توفيق ( محبس حبيبي ذهب ) وغسان ناجي ومروان محفوظ ومروان سالم والمطرب المتكتم عدنان راضي وليلى مطر ونزهة يونس وهيام يونس وطوني حنا وشادي جميل .‏

وعزفت مع كبار المطربين منهم فريد الأطرش وزكية حمدان ومصطفى نصري ورفيق شكري وفايزة أحمد وسعاد محمد وماري جبران ومحمد فوزي في مرحلة مبكرة من حياته الفنية وفايدة كامل ـ عدة مرات أيام الوحدة وكان معها أخوها عبد الرحمن الخطيب وهو ملحن ومطرب ويعزف على العود ـ وتقريبا معظم المطربين العرب الذين أحيوا حفلات في دمشق .‏

لقاء فيروز والرحابنة ‏‏

 كنت من أوائل الموسيقيين السوريين الذين عملوا مع الرحابنة كيف كان العمل واللقاء؟‏

  في أوائل الخمسينيات بدأ الأخوان رحباني وبصحبتهم فيروز يقدمون بعض الأغنيات في إذاعة دمشق ، كان عاصي عازف بزق و منصور عازف عود ،وكانت فيروز تأتي بلباس مدرسي ، وكانوا يأتون كل يوم سبت بعد الظهر ويسجلون أغانيهم يوم الأحد وهو يوم عطلتهم في بيروت وكان أيضا يوم عطلة الإذاعة حسب ما كان سائدا أيام الانتداب الفرنسي ، وطلب الرحابنة تغيير يوم العطلة الإذاعية ، فأصبحنا نعطل يوم الجمعة ونداوم يوم الأحد ليتمكن الأخوان رحباني من تسجيل أغانيهم .‏

كنت أزورهم في فندق الشرق ونقوم بالتحضير للأعمال الموسيقية مسبقا قبل يوم من التسجيل واستمروا على هذه الحال حتى أواخر الخمسينيات، عندما افتتح استديو للتسجيل الموسيقي في لبنان أخذوا يرسلون تسجيلاتهم من بيروت وأصبحوا يحضرون تسجيلاتهم جاهزة. ‏‏

وقد شاركت في العزف مع الرحابنة في حفلاتهم على مسرح المعرض و مهرجانات بعلبك والإذاعة ،وعندما سمعوا عزفي للمرة الأولى أبدوا إعجابهم بالطريقة التي أعزف بها بعد أن لاحظوا فارقا بين عزفي على القانون وعزف الآخرين.‏

نشيد الثورة‏

 ما حكاية نشيد الثورة؟‏

  في حوالي الساعة السابعة مساء من يوم الثامن من آذار عام 1963 دقوا على بابي ، وكنا نسكن في البيت القديم في باب توما.. واصطحبوني إلى الإذاعة القديمة في شارع النصر ، وطلبوا الجلوس في غرفة الانتظار وفي الساعة العاشرة ليلا اجتمعت مع أحمد العسة مدير الإذاعة السابق وكان عدد من قادة الثورة مجتمعين ، ونظر إلي أحدهم وقال: أنت لحنت أغنية (عبد الناصر يا جمال) قلت: نعم ، فقال: اليوم نريد منك نشيدا لثورة البعث فقلت: أنا ملحن ولست شاعراً.. وأريد كلمات لنشيد الثورة لأبدأ بتلحينه. ‏‏

وهنا قام شخص وأعطاني كلمات نشيد البعث وعرفت فيما بعد أنه توفيق عنداني ، ومطلعه :‏

البعث قامت ثورته والدهر دارت دورته ‏‏

ليعيد مجد عروبتي وينال شعبي غايته .‏

‏ وعدت إلى المنزل وهناك وجدت الجميع يبكون خوفا. وأمضيت الليل ساهرا إلى أن انتهى اللحن وأصبح جاهزا.فاتصلت بالإذاعة وأخبرتهم أن النشيد أصبح جاهزا. وطلبت حضور أعضاء الفرقة الموسيقية ومهندسي الصوت لتسجيل الأغنية، جاء الجميع من أعضاء الفرقة ،وسجلناه في المرة الأولى بصوت لودي شامية، وبث مباشرة عبر إذاعة دمشق وأصبح من أشهر أناشيد الثورة.. ثم سجلناه مرة ثانية بصوت دلال الشمالي . ‏‏

المعهد الموسيقي‏

 عملت في المعهد الموسيقي منذ تأسيسه ،بماذا ساهمت فيه ؟‏

  وفي عام 1963 افتتح المعهد باسم المعهد العربي للموسيقا، وكنت أقوم بتدريس آلة القانون ، وكان صلحي الوادي مؤسس المعهد ومديره يمر على الصفوف وينصت السمع من وراء الباب ، وكنت أعرف أنه يقف عند باب الصف الذي ألقي فيه الدرس، لأنه يسمع عزفا مختلفا ، وفي أحد الأيام طلبني وسألني كيف أدرس الأولاد؟‏

فقلت له: إني أدرسهم حسب منهاج الميتود روز، فشجعني وطلب مني الاستمرار على هذه الطريقة لأنه لاحظ طريقة متجددة ومختلفة للعزف على القانون.. ‏‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية