ولعل المشكلة التي نتناولها اليوم في هذه المادة هي قديمة حديثة تعرض لها الإعلام أكثر من مرة إلا أنها لاتزال تحتاج إلى المزيد من تسليط الضوء والغوص في عمق المشكلة إلى حد ما لأن نتائجها هدامة للفرد والمجتمع على السواء في حال استشرائها، إنها مسألة الشباب والإدمان، فمن المدمنون وكيف يحصلون على العقاقير ومادور القانون والمراكز الصحية والأسرة والمجتمع على السواء في محاصرة هذا النوع الذي يؤثر على مستقبل أبنائنا ككل؟.
أسئلة كثيرة طرحتها حلقة «للشباب رأي» على الفضائية السورية والتي أدارتها الزميلة نهى النجار بحضور الدكتورعصام خوري رئيس قسم الطبابة الشرعية بمحكمة دمشق والدكتورة كيندا الشماط من جامعة دمشق كلية الحقوق وعدد من الشباب ذكوراً وإناثاً قدموا كثيراً من المعطيات التي تدور في فلك هؤلاء، ما أغنى الحلقة في مفاصل عديدة إلى جانب التقارير المعدة.
متى نقول: إنه مدمن؟
كيف نوصف شخصاً بأنه مدمن وبأي مرحلة نقول عنه إنه وصل إلى الحد وهل القانون يعاقب أم يجرم حالة الإدمان (نقطة لارجوع عنها).
بداية عرّف الدكتور خوري الإدمان من الناحية الطبية بأنه اعتياد الشخص على أخذ عقار معين لايستطيع أن «يحيا بدونه أو يتخلص منه إلا بمعالجة طبية وإذا أراد هو ذلك». لافتاً إلى وجود نوعين من الاعتياد فيزيولوجي بمعنى يصبح بحاجة ماسة إلى المادة والامتناع عنها يسبب له آلاماً عضلية وأعراضاً أخرى مختلفة، وهذا يختلف من شخص إلى آخر ومن عقار إلى آخر أيضاً فيما الاعتياد النفسي يعتاده المريض مثل إدمان التدخين.
وبين خوري أنه يمكن لبعض المواد مثل الهيروئين والكوكائين أن تسبب منذ أول جرعة حالة إدمان وهي حالة معروفة طبياً وتسمى عضّة الكوكائين أوالهروئين فيما بعض المواد الأخرى تحتاج لفترة طويلة لحدوث الإدمان.
شخص مريض
وما يتعلق بنظرة القانون إلى المدمنين، أشارت الدكتورة الشماط إلى أن أغلبية التشريعات القانونية تنظر إلى المدمن على أنه شخص مريض يحتاج إلى علاج ونحن ندرك أنه في كل جريمة هناك مجرم ومجني عليه، وفي جرائم المخدرات عندنا شخص دخل هذا العالم إمّا بإرادته كتجريب مادة جديدة أو مغامرة أو عن طريق الأصدقاء أو ربما وقع تحت استغلال الغير حين غابت إرادته بهذا الموضوع ولم يجد نفسه إلا في براثن المخدرات.
منوهة بأن التعامل مع مدمن المخدرات مسألة لها حساسيتها وفي حال المعاقبة فهي لاتعطي نتيجة، لذلك يلحظ التشريع السوري ضرورة وأهمية أن يتقدم هؤلاء المتعاطون أومدمنو المخدرات من تلقاء أنفسهم أوعن طريق ذويهم وأقربائهم ممن يعرفون حالتهم جيداً بطلب علاج إلى أحد المصحات لإجراء العلاج وسحب المادة المخدرة أو السموم من جسمه وإخضاعه لعملية تأهيل نفسي وغيرها من الأساليب الأخرى بدلاً من وضعه في السجن لأن المشكلة أكبر حينها على جميع الأطراف.
ويرى د.خوري في السياق ذاته أن المصاب نفسه إذا لم يرد أن يعالج تكون النتيجة سيئة في معظم الأحيان وبالتالي يجب توفر الإرادة الكافية لدى المريض للتخلص من الموضوع بمساعدة الأهل والأطباء والمراكز المختصة.
أسباب المشكلة
وبالعودة إلى أسباب المشكلة يبدو أن المدمن بنظر الشباب هو عالة على المجتمع يؤذي نفسه والآخرين على السواء، والبعض أشار بأصابع الاتهام إلى رفاق السوء والغياب عن المنزل وتفكك الأسرة وسهولة الحصول على العقاقير عن طريق بعض المتنفذين، بمعنى أن البيئة المحيطة بالأشخاص تلعب دوراً كبيراً في حصول الاختراقات ولاسيما عند ضعاف النفوس أصحاب الشخصيات الهشة نتيجة قلة الوعي أو التربية فينساقون إلى انحرافات مختلفة.
ومما أثاره الشباب أن الإدمان لم يعد مقتصراً فقط على هذه الشريحة وإنما طالت الأهالي أيضاً.. الابن يقلد والده أوأخاه الأكبر في بعض الأحيان.
وفي الشارع يقلد الصغار الكبار لبعض الأنواع من العقاقير والمشروبات المتوفرة بأسعار معقولة في الصيدليات ومحال الأسواق، مايجعل المدمن ضحية ربما لكل ماتم ذكره.
مؤكدين بذات الوقت أن البيئة والأسرة السليمة نادراً ماتنجرف وراء هكذا حالات، وتكون بمنأى عن هذه الأخطار.
مسكنات الأدوية
والأمر الآخر الذي أشار إليه المشاركون الشباب هو وجود بعض العقاقير كأدوية مثل «البروكسيمول» الذي يحصل عليه الشباب بطرق وأساليب ملتوية لأن الصيدليات لاتعطي هذا النوع إلا وفق وصفة طبية نظامية، وكونه يسبب لمن يتعاطاه حسب بعض المشاهدات هلوسة وشعوراً عالٍ بالرضا عن النفس، نشوة زائدة، أيضاً هناك بعض الأدوية التي يصفها بعض الأطباء كمسكنات.
كأن يشعر أحدنا بألم كبير في الأسنان وحين الذهاب إلى الطبيب المختص يأخذ بعض العقاقير التي تسبب النشوة والارتياح لدى الشخص وبالتالي يشعر أنه بحاجتها دائماً ومن هنا تخلق فكرة الإدمان.
وللفتاة نصيب أيضاً
وإذا كان الشباب اليافع يحتل المركز الأول في هذه القضية إلا أن الفتاة الشابة ليست بمنأى هي أيضاً عن هذا الجو الملوث وإن كان بشكل قليل إلى حد ما، إذا أخذنا بالحسبان أن الفتيات بالعموم لايكن عرضة لمادة الأفيون والكوكايين التي يمكن أن تصل إلى الشباب الذكور بطريقة أسهل.
لكن الملاحظ برأي الدكتور خوري أنه بسبب وجود الشخصيات الضعيفة والنفسيات الهشة التي تمتاز فيها بعض الفتيات وهذه حقيقة يعاب علينا في مجتمعنا من أن المرأة وصلت إلى مركز لايضاهيها أحد في المجتمعات الأخرى، إذ كثير منهنّ يعتمدن على المهدئات والمسكنات ولاسيما في حالات الصدمات العاطفية سواء قصة حب فاشلة أم وفاة أحد الوالدين أم شخص مقرب من العائلة، مايجعل الاتجاه دائماً نحوأخذ الأدوية المسكنة وهذه بعد فترة تعطي نفس تأثير المخدرات تماماً.
الملاذ الآمن
وفي هذا الإطار نؤكد القول على أن إدارة مكافحة المخدرات في سورية تنشط بشكل كبير وهائل على جميع المستويات للقضاء على ظاهرة المخدرات وهي المكان والملاذ الآمن لكل من يتعرض لهذا النوع من «المخدرات» ويقع ضحيته، ما يتطلب من شريحة الشباب بشكل عام والإعلام على وجه الخصوص القيام بدور إيجابي في إبلاغ الإدارة المختصة دون الذهاب إلى شرطة أقسام المناطق والأماكن التي يوجد فيها هؤلاء الأشخاص.
فالإدارة بمجرد علمها بوجود بؤرة بالإتجار أوالتعاطي تصبح كفيلة بمتابعة الموضوع لإلقاء القبض على الأشخاص الذين يتاجرون ويورطون المستهلكين بالتعاطي.. لأنه من المعروف دائماً أن الذين يتعاطون المخدرات يبحثون باستمرار عن الشللية لتوسيع دائرة النشاط.
خوف مشروع
ولعل التخوف المشروع الذي أظهرته حوارات المشاركين هو أن تتحول سورية من بلد عبور كما نصنف إلى بلد استهلاك بعد فترة معينة والسبب أن هناك من في الخارج يستهدف شبابنا الذين هم أساس بناء المجتمع والأسر المتماسكة عبر طرق وأساليب مختلفة كأن تقدم لنا عن طريق الشوكولا والأغذية على سبيل المثال، بمعنى الوصول إلى هدم المجتمعات من الداخل وهذا الأهم لأن الحروب لم تعد بالجيوش وإنما يمكن الوصول إلى نتائج أكثر أهمية عن طريق التخريب من الداخل وفي مقدمتها المخدرات التي تحتل رأس القائمة التي تعتمدها الدول المفرضة