فقد أصبح نهماً تجاه متع الحياة الصغيرة والكبيرة, حتى تحول هذا النهم إلى تبذير وتبديد للمال بما يشبه الرعونة وبدأ يأخذ شكلاً مرضياً هو الوجه الآخر لمرض الحرص الذي يصيب أولئك الذين يعيشون طفولة بائسة يظل شبحها يلاحقهم حتى نهاية أعمارهم.
لكن أبو مهند يقدم الأعذار لنفسه وللعالم..
يتحدث عن قدومه إلى المدينة للدراسة الجامعية وقد كان شاباً ريفياً فقيراً, لكن كان جاداً أو مجتهداً وممتلئاً بالعزم والتصميم على النجاح, ليس النجاح في الدراسة الجامعية فحسب, فقد كان هذا أمراً يسيراً عليه, بل كان همه النجاح في التغلب على عقدة المدينة التي سحرته بإمكانياتها وأضوائها وترامي أطرافها, والفرص العديدة التي توفرها للطموحين لكنها في الوقت نفسه أخافته بقسوتها واستعصائها على الفهم والاستيعاب, لذا فقد أحس تجاه المدينة إلى جانب الإعجاب بها نوعاً من الكراهية الناشئة عن خوفه من ألا يستطيع الاستفادة من إمكانياتها الكبيرة, ويعجز عن استثمار الفرص العديدة التي كثيراً ما رآها تتوفر للكثيرين من حوله دون قاعدة أو قانون.
كانت أضواؤها تسحره وتخيفه في الوقت نفسه وكان اتساع المدينة يأسره بقدرته على إخفاء كل شيء حتى الإنسان.
وآمن أبو مهند أن المال وحده هو الذي سيمكنه من الانتصار على قسوة المدينة وإبطال سحرها الطاغي, ووضع المال نصب عينيه وسخر له كل مواهبه.
وأتاحت له المدينة فرصة للحصول على المال الذي وضعه بين يدي عائلته, وصار يدللهم ويجلب لهم كل شيء دون حساب.
لكن زوجته تنبهه أن ما يفعله هو تبذير مشيرة إليه أنه يخوض معركة وهمية ضد ماضيه البائس, يخوضها بالمال.. نفس السلاح الذي اعتقد أنه كان ينقصه عندما كان طالباً فقيراً في المدينة القاسية, لكنه لا ينصت ويرد عليها دائماً بالقول: إن أحداً لا يعيش مرتين.