|
الطلاق بعيون الأطفال أشباح وأصوات غريبة مجتمع للجوء إليها فإن الأطفال يفرض عليهم الخضوع للأمر وتجرع مرارته دون أن يكون لهم فيه لا ناقة ولا جمل. ومن الطبيعي أن تختلف التأثيرات وردود الفعل من طفل إلى آخر ومن حالة إلى أخرى, ففي حين يتأقلم بعض الأطفال مع مرور الزمن مع المتغيرات الجديدة, يعاني آخرون طويلاً من مشاكل واضطرابات.. ومما لا شك فيه أن الأطفال يدهشوننا بقدرتهم على الإحساس بمشكلة انفصال الوالدين وهم في سن جد صغيرة ويدهشوننا أكثر بالطرق الغريبة التي يعبرون بها عن هذا الإحساس وبردود أفعالهم تجاهه. إحدى الأمهات أدهشها طفلها الذي لم يكن يتعدى الثلاث سنوات عندما انفصلت عن أبيه, إذ أخذ يشتكي من أنه يرى أشباحاً ويسمع أصواتاً غريبة, إلا أن أكثر ما آلم الأم وأثر فيها هو تساؤله البريء (لماذا بابا ليس هنا ليطردهم?), دون أن يترافق ذلك مع أية إشارة صريحة إلى موضوع الانفصال بحد ذاته, ما أربك الأم وجعلها عاجزة عن التصرف حيال شكوى مبطنة وغير مباشرة بخصوص طلاقها من الأب. وحسب خبراء التربية والسلوك فإن الطفل الذي عاش تجربة طلاق الوالدين عندما يشتكي من شيء غير واقعي وفي شكل متكرر فإنه يعبر بطريقة لا واعية عن أزمته الخاصة الناتجة عن الانفصال ومغادرة أحد الوالدين للبيت, وحتى عندما يحصل الانفصال والطفل في سن مبكرة لا يستطيع فيها الاحتفاظ بذاكرة حول الأحداث التي رافقت الطلاق أو ردود فعل أحد الوالدين تجاهه, فإن ذاكرته تحتفظ بالمشاعر التي تركتها هذه التجربة في نفسه, وهي غالباً مشاعر أليمة, نتيجة إحساسه بخلافات والديه وعندما يسأل الأطفال عن أكثر ما يزعجهم بخصوص طلاق والديهم فإن الجواب غالباً ما يكون أنه ابتعادهم القسري عن الطرف الذي لم يعد يقيم في المنزل العائلي, وهذا طبيعي فكل الأطفال يحبون أن يكونوا في كنف والديهم معاً, فللأم حضورها المهم جداً كما للأب حضوره الذي لا يقل أهمية في حياته. ولعل ما يعزي الأزواج والزوجات الذين اضطروا إلى اللجوء إلى الطلاق لإنهاء عشرة لم تعد محتملة وإن الخبراء يجمعون على أن الخلافات الزوجية والأجواء المشحونة وتبادل الشتائم والاتهامات في النهاية هي أشد تأثيراً وتدميراً لنفسية الأطفال من تجربة الطلاق بحد ذاته, وأن طفلاً ينشأ في كنف أحد والديه فقط ولكن في جو من السلام والهدوء يكبر أكثر ارتياحاً بكثير منه حين يفرض عليه العيش في جو من الكراهية الزوجية التي تحول واحة البيت المفترضة إلى ساحة للمعركة.
|