لم أصدق ما رأته عيناي ورحت أهيم مع مصورتي ( الكاميرا) في شوارع دمشق فلقيت العجب العجاب فمنهم من كتب اسمه على لافتته ALBACKRI و HAJJAR وغيرها كثير دون أن يفطن إلى قواعد الكتابة الأجنبية وإلى أنه شوّه اسمه فلا العربي ولا الأجنبي سيتعرف على اسمه بلفظه الصحيح.
ولقيت من عنون لنفسه بعبارات أجنبية أصبح يعرف بها مثل:Blue Tower و New Dream من دون ارتباط بمعانيها العربية الجميلة فما عرفت إن كان يقصد المعنى أم يقصد الإغراب بعيدا عن المعنى وعدت إلى صوري أتفحصها فوجدت فيها عبارات بالانكليزية وأخرى بالفرنسية بعضها لم أجد له ترجمة في القواميس, وأشك أن يكون صاحبها القابع تحتها يعرف لها معنى, والمهم أني وجدت فيما صورته توثيقاً يجنبني الافتراء على أحد.
أعرف تماماً الجهود الرسمية المبذولة لحماية اللغة العربية والحماس الذي يتقد في نفوس القائمين عليها, ولكن هل هو نفسه ما يعتلج في نفوس أصحاب المحال والمطاعم, لنرى ذلك في الاستطلاع التالي:
باللغتين معاً
حيثما حلت اللغة العربية هي ضيف جميل يطبع على الزمان والمكان والإنسان مياسم راقية في المجالات الروحية والنفسية والذهنية والاجتماعية.
وعلى كل الأصعدة - هكذا بدأ د. حسين حمادة (تاجر) حديثه ولكن حالة التراجع والانهزام أمام عمليات الغزو الأجنبي المتعدد الجنسيات والهيئات والتوجهات المتعددة الأغراض ونتيجة الملابسات السياسية والاقتصادية الضاغطة على الهوية الوطنية يتم التمادي على اللغة العربية بتعديات متنوعة الاشكال والصور ومنها الإعلانات ,والدعايات, واللافتات,و لوحات المحال التجارية والصناعية والفنية بهدف تضليل المستهلك أو السائح أثرياً أو دينياً أو طبيعياً أو الزائر حتى للأوابد التاريخية من استبدال الاسماء والمواقع والمشاهد من العربية إلى الأجنبية وهذا يشكل انتصارا للتغريب على الأصالة.
ونحن مع تثبيت المصطلحات والمفردات الأجنبية إلى جانب اللغة العربية عند الضرورة بهدف زيادة التعريف والايضاح لذا ينبغي استبدال الأسماء الأجنبية بالعربية وإضافة اللغة العربية إن كان ذلك ملزما من ناحية رسمية محلية أو دولية.
ويعد القطر العربي السوري من رواد الدول العربية التي سعت إلى تعريب العلوم البحتة في الطب والصيدلة والهندسة وغيرها وليست أو عية اللغات الأخرى والصينية واليابانية أوسع من اللغة العربية باستيعاب المصطلحات والمفردات العلمية والأدبية والفنية وحسنا ما نفذته إدارات المحافظات من مرافقة الأسماء العربية للشوارع والمدن باللغة الانكليزية الأكثر تداولا في معظم بلدان العالم والأكثر شيوعا بين المؤسسات التجارية والصناعية والعلمية وذلك على الشاخصات الدالة على المواقع السياحية والأماكن التجارية والطرق داخل المدينة ومنها إلى اتجاهات الدول المجاورة.
أنا متصوف بحب العروبة
أنا متصوف بحبي للعروبة ولست أقصد ذلك عنصريا فإني أؤمن باحترام اللغات والشعوب ولكن لغتنا عظيمة وبالتعريب نحافظ على الهوية وتراث الأمة ولغتنا العربية تمنحنا تمايزا واصطفاء فهي لغة القرآن ولغة العرب هذه رؤية السيد شحادة الشامي مكتب صرافة وأضاف:
إننا نحقق الانسجام عندما نحول الاسماء إلى عربية بينها وبين الأرض والمدن والشوارع ومن المؤسف أن قسما كبيرا من هذا الجيل يستخدم في جهازه المحمول باللغة الأجنبية مع أننا نطمح لنشر لغتنا في العالم مع حبنا لتعلم اللغات الأخرى وكم أتوق لتكون هذه اللغة معتمدة في المحافل الدولية والهيئات الثقافية العالمية والندوات الاقتصادية لأننا منطقة وسط ولها وزنها الاقتصادي والجغرافي لذا يجب ألا نبخس حقنا فنحن حالة عالمية مميزة ومحورية والعالم كله عينه على المنطقة فلم لا تكون لغتها هي السائدة كاللغة الانكليزية.
وأنا أحمل النخب الثقافية العربية مسؤولية إهمالها لهذا الموضوع وأنا أشكر القائمين على التعريب في سورية لأنهم الأكثر أمانا على تاريخ الأمة وهويتها ولغتها وآمل أن تحذو الدول العربية حذوها..
ضبابية مفهوم التعريب
ويرى د. سعيد الحلبي أن التعليمات الصادرة بشأن التعريب غير واضحة فهل المقصود بالتعريب ترجمة الكلمات إلى العربية أم كتابة الكلمات الأجنبية بالأحرف العربية بدلا من الأحرف الأجنبية.
حيث لوحظ في العديد من العناوين أنها تكتب الكلمات بالحروف العربية ولكن بلفظها الانكليزي وهذا لا يحقق الهدف المرجو من التعريب فمثلاً ترجمة لوحة مكتوب عليها Cafe.net تكتب كوفي نت ولا تكتب بمعناها العربي مقهى الانترنت والأمثلة كثيرة.
ومن جهتي أنا لست مع تعريب الأسماء التجارية والاعلانية لأن معظم تلك الإعلانات وضعت أساساً هكذا والمراسلات والقيود بشأنها تكتب باللغة الأجنبية لذا يجب أن تتم كتابة الاعلانات باللغة الانكليزية الصرفة وما يقابلها باللغة العربية الصرفة ويستخدم أيا من العنوانين حسب الغرض.
ثقافة جيل
يعزى الاتجاه للعناوين باللغة الانكليزية إلى موجة شبابية تمثل ثقافة جيل يتباهى بتقمص الثقافات الأخرى وبدوري أحمل المسؤولية للبيت والمدرسة التي لم تعط هذا الجانب حقه. ويضيف أحمد صاحب محل: كان الأجدى أن تكافح هذه الظاهرة قبل أن تستفحل ومع ذلك إنها خطوة رائعة ورائدة ولم يكن إياد من أنصار هذه الفكرة فالعناوين والآسماء برأيه حرية شخصية وأمر شخصي بحت لا يحق لأحد أن يملي شروطه عليه.
أما د. بديع السيد اللحام فينظر إلى القضية على أنها مشكلة حضارية وليست مشكلة أسماء وعناوين وبرأيه يعود هذا إلى الانهزام الداخلي الموجود في ذواتنا حتى بتنا نرى كل شيء قادم من الغرب هو عنوان التقدم والحضارة وأن لغة العلم هي لغة الغرب وساهم في ذلك عدم تفعيل المؤسسات التعليمية ومجامع اللغة العربية في غرس اعتزاز الإنسان العربي بعروبته ولغته وهذا هو التعريب الحقيقي وليس هو تعريب لافتات وأسماء.
ويؤيده في ذلك سامر عبد الحليم صاحب محل بأنها خطوة جيدة وتطبع البلاد بصورتها المشرقة لِمَ لا وقد سبقت حضارتنا بآلاف السنين حضارتهم فمن الأجدى أن يقلد الآخر.
التعريب خطة عمل مستمرة
ولإظهار مدينة دمشق بحلتها العربية الأصيلة تقول د. ميرنا مسعود عضو المكتب التنفيذي في محافظة دمشق: شكلت لجنة بقرار وزاري رقم 2377/ق تاريخ 19/11/2007 من أجل متابعة موضوع تمكين اللغة العربية على نطاق القطر كاملاً وهذه خطة عمل مستمرة ولا تقتصر فقط على فترة محددة متزامنة مع كون دمشق عاصمة الثقافة العربية وتشمل هذه الخطة جميع المحافظات وثمة اجتماعات دورية في وزارة الإدارة المحلية لمتابعة هذا الموضوع حيث اتخذت الإجراءات اللازمة لإبلاغ أصحاب المحال التجارية والمحال العامة كافة من مطاعم وفنادق ومقاه وحانات ومتنزهات ومؤسسات سياحية عامة وخاصة بوجوب استعمال الكلمات العربية في تسمية ما ذكر ووضع الكلمات الأجنبية بحروف أصغر تحت الكلمة العربية في حال وجودها وذلك بالتنسيق مع وزارة السياحة والمؤسسة العربية للإعلان والجهات المعنية الأخرى.
وفي الإجابة عن سؤال من المستثنى من التعريب قالت:
يستثنى من التعريب أصحاب المحال المسجلين لعلاماتهم الفارقة لدى مديرية حماية الملكية بوزارة الاقتصاد وكذلك الذين هم فرع من أحد فروع الشركات العالمية وفي هذه الحالة يجب كتابة الاسم بنفس الرموز التي تكتب بها الشركة الأم كسلسلة فنادق (الفور سيزنز) وأيضا تسميات مواقع الانترنيت والبريد الالكتروني وما شابهها لأنها لا يمكن أن تكتب إلا بحروف لاتينية وهي تسمح بالوصول إلى مواقع الانترنيت وإلى أصحاب البريد الالكتروني أينما كانوا في العالم.
تعزيز الانتماء
ومن أهداف خطة العمل الوطنية لتمكين اللغة العربية يأتي تعزيز الانتماء في الدرجة الأولى..
فالحفاظ على الهوية والذاتية الثقافية للأمة واجب مقدس في عصر العولمة ولغتنا العربية هي رمز كياننا القومي وعنوان شخصيتنا العربية وهويتنا وأن الوعي اللغوي أمر مهم جدا في عملية الحفاظ على الهوية لتخليص الجيل من عقدة التصاغر تجاه اللغات الأجنبية وثقافتها ونحن في ذلك نؤيد ما جاء به (فيختة) أن اللغة أساس القومية (إن الذين يتكلمون بلغة واحدة يكونون كلاً موحداً ربطته الطبيعة بروابط متينة وإن كانت غير مرتبة). أما الزعيم الفيتنامي فيقول: (لا انتصار لنا على العدو إلا بالعودة إلى ثقافتنا القومية ولغتنا الأم).