وقد يؤدي موقف بسيط إلى شجار عنيف يقصد به إثبات الرجولة. أحد الشباب مثلاً استهوته شخصية أحد الأعمال الفنية فتقمصها وبات يقلدها ويفرض على زملائه ما يريده بالقوة ويتدخل في مشاكل الآخرين, ولا يكاد يخرج من مشكلة إلا ويقع في أخرى.
في بعض الأحياء الشعبية نسمع عن شجارات لأسباب تافهة أبطالها شباب يأبون التساهل تجاهها, فهل العنف بين الشباب يشكل ظاهرة, هنا آراء شبابية قد تفسر بعض الدوافع إلى استخدام العنف بغض النظر عن مشروعيتها.
إثبات الذات
يقول مثلاً نزير ونوس: أحاول استخدام القوة ولا أسكت عن حقي لأنني إن لم أهتم وأندفع سأكون ضعيفاً في نظر الآخرين وأرى المحيطين بي يتعاملون بهذه الطريقة والعنف حاضر حتى في تعاملنا الأسري, فنحن نخاف من أبانا وأخانا الأكبر والأصغر يخاف مني.. وهكذا, وعلى كل واحد ألا يظهر إلا قوته حتى لا يستضعفه الآخرون.
لا نعترف به ولكن..
شباب لا يحترمون هذا الأسلوب لكنهم يعترفوا بوجوده بين الزملاء من جهة والأساتذة مع الطلبة من جهة أخرى كما قال الشاب أحمد ابراهيم: لا يستفزني كلام أحد من الشباب مثلي ويستغربون مني كثيراً هذا التصرف, إذ علي أن أزمجر وأهجم إذا ما استفزني أحدهم بالكلام, لكني واثق من نفسي ولا أعتبر نفسي إنساناً إذا تصرفت بوحشية مع شاب مثلي وكثيراً ما يتهمونني بالجبن ويقولون لي /نوته/ ولا أستغرب لأنني أرى الأساتذة ذاتهم هم أكثر عنفاً من الطلبة, والمضحك أن بعض الشباب عندنا يلعبون عبر المشاجرات أيضاً ويضربون بعضهم البعض كحالة تسلية على أنها ترويح عن النفس.
أشكال متعددة
للعنف أشكال وألوان ودوافع يتم التذرع به أحياناً لهدف تربوي وهنا في أحسن حالاته, كما يتعرض في المدرسة لغاية التهذيب أيضاً, هذا عدا ما يتعرض له شباب آخرون بسبب عمالتهم المبكرة ويسكتون عن الظلم من أجل حالتهم المادية, ولا يخفى تأثير العنف على الشخصية, فذاك الاهتزاز النفسي يؤدي به إلى العدوانية التي يحملها الشاب بين ثنايا شخصيته وفي عقله وروحه كي تبقى ثقافة تحكم منظومة سلوكياته أثناء تعامله الحياتي قاطعة الطريق عن أي بديل آخر منطقي ومسالم وهذا ما يؤكده المختصون الاجتماعيون والنفسيون إضافة إلى إشاراتهم الدائمة عبر اللقاءات والندوات والبحوث على أن معظم الجانحين من الأحداث المرتكبين لجرائم عنف بأوجهها المختلفة قد تعرضوا هم أنفسهم لعنف مفرط وهم ضحايا قبل أن يكونوا جناة, فكثيرة هي الحالات والمشاهدات التي تتجلى 54.3% بين الذكور 43.7% بين الإناث, وعبرها ثقافة العنف المنتشرة بين أوساط الشباب كما تشير أحد الدراسات التي أجراها مكتب دمشق التابع لليونيسيف على 190 طالباً وطالبة حول العنف لوحظ من خلالها ارتفاع نسبته في المراحل الإعدادية ففي مدارس الذكور وصلت نسبته إلى 54.3% والإناث إلى 45.7%, الإعدادية 43.7% وفي الثانوية إلى 30.1% فأظهرت الدراسة انتشار العنف في البيئة المدرسية أيضاً والتي لا شك ستترك آثارها وتضرب بجذورها عميقاً في نفسه ستظهر عاجلاً أم آجلاً وبشكل من الأشكال قد لا تكون جنوحاً لكن أبسطها سلوكيات تميل للعنف لا تحمد عقباها.
عن (العنف عند الشباب) دوافعه, أسبابه, تأثيره, تحدث المختص الاجتماعي تيسير أبو الرز فقال: لابد من الاعتراف بانتشار العنف والشغب بين أوساط الشباب, وإن كان له أسبابه إنها ظاهرة بتنا نلحظها في الشارع بشكل واضح وفي المدرسة وبين الشباب بين بعضهم البعض, وقد تكون الأسباب عديدة وألاحظ من خلال تجربتي وإطلاعي على أضابير الشباب بحكم عملي كمختص اجتماعي بأن أكثرهم عنفاً وشقاوة لديهم ظروف أسروية صعبة, كطلاق الأبوين, أو تعدد الزوجات, ضيق الحالة المادية وكثرة الأولاد في الأسرة على سبيل المثال هناك أحد الآباء متزوج بثلاثة ولا يعرف عدد أبنائه فكيف يمكن لهذا الأب رعاية ابنه عاطفياً أو مادياً أو تربوياً, وأحياناً أخرى يتواجد آباء يعملون لفترتين دوامين بسبب ضغط الحاجة., فكيف يمكن متابعة ابنه وتقديم التوجيه الصحيح له, هذا عدا الجهل بضرورة استخدام القسوة مع الأبناء من أجل تعليمهم وتهذيبهم.
ولا ننسى هنا أن وسائل الإعلام ذاتها تمارس عنفاً على الشباب من خلال الأفلام - العنف وحتى بعض البرامج الرياضية مثلاً رياضة الملاكمة والمصارعة وكلها ذات انعكاس خطير على التكوين النفسي والتي تؤدي إلى وجود الشخصية العنيفة, كما لا يخفى على أحد بأن الإيذاء البدني أو النفسي والعنف الموجه للجسد أو للنفس أثناء تفتح الوعي يرسخ في اللاشعور مشاعر القهر التي كثيراً ما تؤدي إلى التنفيس عنها باتخاذ سلوكيات عدوانية, ومن جهة ثانية يجب القول إن الشاب أحياناً يلجأ للعنف بسبب غياب الوسائل الترفيهية السليمة فلديه طاقة يحتاج تفريغها وتوجيهها وغياب هذه الوسائل كتفعيل المكتبة مثلاً أو وجود نوادي شبابية تجمعه بأقرانه على أساس إيجابي وهوايات يجتهد عليها وتملأ أوقات فراغه فذلك يساعده على تفريغ طاقاته بالشكل السليم, وعندما تنقطع السبل أمامه بوجود البدائل المقنعة والأنشطة المتنوعة الثقافية أو الاجتماعية أو الرياضية فكل ذلك يقطع الطريق عليه لاستخدام العنف أو حتى إيمانه بثقافة العنف كأسلوب وتلك الأنشطة لا شك سترفع من سويته كلها.