تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


(دراما) الصراع: طريقاً إلى براءتنا

كتب
الأربعاء 23/1/2008
أحمد علي هلال

إذا كان ممكناً القول إن مدن الأحلام,(اليوتوبيا) أو المدينة الفاضلة, كناية عن حلم. رغبة وربما رؤية لعالم آخر,

قائم على إحراز توازن بين المادة والروح, لأجل خير كوني وعدل وطهرانية أثيرة نورانية من أنها قد تحيل على ماض بمعنى ما, خصوصاً في حقل الرواية الذي أسفر عن ثمار لقرائح أذهان نبيلة وذكية, ذلك الماضي الروائي لم يطو تماماً, لقد حمل في نسيجه ومعماره وكل خلاياه, تلك (الجينة) الماكرة, تخيل المستقبل والتنبؤ والاستباق. فالحلم في مكوناته توق وتفاؤل للعقل رغم تشاؤم الإرادة, ففي ماهيته تبارى المفكرون والمثقفون والروائيون لينتجوا بوسائلهم مجتمع المدينة الفاضلة الأكثر حرية وسعادة. هكذا كانت رواية نحن لزمياتين ورواية عالم جديد شجاع لألدوس هكسلي المهاد الأول لرواية جورج أورويل .1984‏

إن العالم الذي قدمه هكسلي في روايته عالم جديد شجاع هو استعارة جيدة لعالم بلا خيال ولا روح ولا أحلام ولا صراعات, عالم من أطفال كبار بلا مسؤوليات, ذلك العالم الذي انتصر على العالم القديم وبنى عالمه الجديد, حيث لا صراع ولا خوف من الغد أو الشيخوخة, هنا يكمن شعار يوتوبيا هكسلي السوداء:‏

الاستقراء, السعادة وليس المعرفة, سعادة حسية دون أحلام,فلا سؤال عن الأدب والفلسفة لأنها أشياء جميلة وجذابة وثمة من لا يحب أن ينجذب الناس إلى الأشياء القديمة?‏

لكن هكسلي في روايته (الجزيرة) العمل الأخير الذي وضعه قبل وفاته مباشرة, كتبت عام 1969 وترجمتها إلى العربية دار التنوير ببيروت عام ,1983 وأعادت نشرها عام 2007 بترجمة ممتازة لسامي خشبة.‏

لا يغادر رؤيته لتجسيد حلم المدينة الفاضلة في مكان بعيد من خليج البنغال شرق الهند.. إنها جزيرة بالا, الجزيرة المحرمة المحصنة, التي تمنحنا تجربتها الفريدة في العلم والعمل والبحث عن الحب والسعادة والحكمة, بل كل مقومات الحلم, ربما عيشه أو كتابته:التكنولوجيا في مقابل التصوف و(عدالة البدائيين) وجديةالعلماء, وتهكم أهل الفن واستنهاض الفلسفة وسبر غور الديانات بأناقة الجدل العلمي الحواري, فالشرق في مقابل الغرب, دراما صراع على مسرح جزيرة حية ناطقة, ليس بحدوس شخوصها فحسب, بل بحدس ألدوس هكسلي الذي يعيش رغبته ويكتبها, يحلم ولا يسير إلى المستحيل بل يدعه وراءه, بانتباه يقول به طائر المايناه الناطق في ذلك الطقس الخرافي بطزاجة الأصوات والحركات.‏

ثمة روايات عديدة لمعنى بالا, رواية تقول إن هكسلي استمدها من اسم الأسرة الحاكمة في جنوب الهند, بين القرنين الرابع والثالث عشر, ذروة نضوج الفن الهندي, وأخرى تعني مذبح الكنيسة المكون من لوحة كبيرة ذات قطعة واحدة, حيث تحتل كل الشخصيات المائلة وكل الحركات مساحة واحدة والمعنى الرمزي لاسم بالا في الرواية هو الوحدة, ورواية تشير إلى أنها أحد أسماء أثينا ربة الحكمة والعقل اليونانية. بالا المكان الذي لم يقم صحفي أبداً بزيارته من قبل, دفع (ويل) الصحفي الذي لم يستطع أن يكون شاعراً.. كان عليه أن يعمل بالصحافة لكي يكسب المال,لكنه ولحسن حظه لفظه البحر ودفعه للجزيرة, إلى جوهرة البحر الهائلة, وطائر المايناه كما كل طيور المايناه يفتتح الرواية/ الحلم. هنا والآن يا أولاد, وهو يهبط فوق غصن شجرته الميتة, ولعل تلك اللازمة سوف ترافق زائري الجزيرة وأبطالها المحتملين,من رجال ونسوة بدائيين, وجنرالات وعلماء وأطباء وموسيقيين ورياضيين يوحدهم رعب الوجود الأزلي, مثل ماري ساروجيني الفتاة التي تتحدث كملاك خارج من أسطورة في دين مجهول, وتعيش في منطقة تبعد خمس درجات عن خط الاستواء.‏

يعيد هكسلي الرفض الكامل للاكتفاء بكلمة نعم جواباً لأي سؤال إزاء مطامع صغار الطغاة ونزوعهم نحو العظمة, والفوضى والفساد والتعصب.(حرروا أنفسكم ما تعرفونه, وانظروا ببراءة كاملة إلى هذا الشيء اللامحدد بصورة نهائية أمامكم).‏

اللحظة التي تعيدنا إليها جزيرة هكسلي هي الجمال والمغزى والكثافة والسر الذي يزداد غموضاً وعمقاً إنها في قلب زمن لم يعد له وجود, يوتوبيا سوداء تحيل هكسلي إلى شيء من التشاؤم حيث الحياة الحديثة في قلبها لحالة العقل الطبيعية, إن ما تم إنجازه في مئة عام, قد دمر في ليلة واحدة, ومع ذلك تبقى الحقيقة التي أدركها طائر المايناه: انتباه! ولم يغلق هكسلي سؤاله: لماذا لا يستطيع الإنسان أن يغلق فمه, ويترك الطيور لتتولى عملية وعظه وإرشاده?!‏

تعليقات الزوار

محمد الشيخ |    | 29/01/2008 14:39

كاتب رائع ويتمتع بموهبة فريدة تندر عند عدد كبير من النقاد والكتاب من خلال قرائتنا للاستاذ احمد نجد متعة ملموسة في كتاباته نتمنى له دائم التوفيق

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية