هكذا وصفت وسخرت فرجينيا وولف وهي تكتب عن شارلوت برونتي في عام 1916
بطلة برونتي الأكثر شهرة والأنوثة التابعة الرتيبة الساكنة عاطفيا للفكتوريين بالنسبة لوولف فإن برونتي بالتأكيد ليست البشيرة لحداثة في القرن العشرين أو الاشكال الأدبية الحداثوية,بل السجينة والضحية النموذجة لأنوثة وجمال تخيليين يجب الاطاحة بهما.بين برونتي التي توفيت في عام 1855 وبين وولف التي بدأت سيرتها الكتابية في أوائل القرن العشرين ,يحدث نصف قرن تقريباً من الكفاح لتحسين حقوق النساء أو تحدي التمثيلات التقيدية والكراهية للنساء,كانت النسوية الناطقة بالانكليزية حركة مكتملة الريش تماماً في عام ,1916ذات قضية هادفة,حق التصويت وصورة جانبية محصنة لكنها مكشوفة إلى درجة كبيرة على المشهد السياسي من ثمانينات القرن التاسع عشر فصاعدا صاغ الكتاب والكاتبات والمفكرون الاجتماعيون,أنوثة متمردة,جديدة -هوية طليعية-تدعى المرأة الجديدة تطالب بالمساوات مع الرجال في كل مجال,وذكورة جديدة لمواكبتها.لكن في حين أن الحرب العالمية الأولى قد عجلت في منح حق الانتخاب في بريطانيا.فإن المعتقدات الأساسية في الاختلاف الجنوسي ولا مساواة النساء قد برهنت أنها أكثر صعوبة على التغيير إن (الأنوثة) التي كان نسويو أوائل القرن العشرين مصمماً على اقتلاعها واستبدالها كان عمره أكثر من قرن وأصعب اقتلاعا مما كان يظن.فقد كانت استحضارات وولف المتواترة في كتاباتها النسوية عن الحيوان المحطة للكاتبات الفكتوريات المبكرات بدلا من حيوات اللواتي ولدن بعدئذ بقليل,أمثال جورج إليوت,أكثر لا تقليدية,كما توصي.
كما نعتقد على صواب,بحيث أن كثيرا من النساء بين الحربين كن مازلن يعيشن مع وتحت القيود والتي كانت مرتبطة بفترة أسبق بكثير مع ذلك,برغم التطور اللامتكافئ لتمرد النساء مما لا شك فيه أن الحرب قد برهنت على أنها لحظة محفزة لأجل الجنوسة كما لأجل المراتبيات الاجتماعية الأخرى, وفي أعقابها فإن تخييل النساء والتسوية أيضا قد غير أسسه وبدل سردياته مع بعض النتائج المدهشة في كيفية تخيله للأنوثة.
يجادل البيان النسوي لفرجينيا وولف (غرفة تخص المرء وحده) 1929 بأن الاستياء والغضب إضافة إلى الإذلال التي كانت كما تعتقد المصاحبات النفسية للأنوثة التقييدية للفكتوريين سوف تتلاشى سريعا إن تخيلها اللعوب المطوع للجنوسة بعنوان (أورلاندو) هو افتراض استيهام خطير يتخيل ما يمكن أن تكونه الأنوثة في شروط مختلفة تماما عندما تدخل القرن العشرين إن النقلة المزدوجة لوولف في عملها ( أورلاندو) هي تمجيد لنوع بعينه من الهوية الارستقراطية العابرة للتاريخ يسمح فيها الارتباط بالملكية العقارية بزعزعة استقرار الجنوسة.
يشرح مؤلفا هذا الكتاب ديفيد غلوفر وكوراكابلان تطور مفهوم الجنوسة عبر استشهادات منتقاة بدراسة وعناية من أعمال أدبية وفكرية وفلسفية مهمة أرخت لتعديل مفهوم الأنوثة مثل ميشيل فوكو الذي ساعدت شذراته حول مفهوم ( الجندر) على تحديد تعريف واضح للقارئ قدمه المؤلفان في المقدمة التي جاءت بعنوان: ( التواريخ المجنوسة) وفي الفصل الأول:(الأنوثة والنسوية) حضرت طروحات سيغموند فرويد بقوة الذي ألقى محاضرة بعنوان جريء آنذاك (لغز طبيعة الأنوثة) كمسألة غير محلولة تنطح الناس لها عبر التاريخ البشري يتابع فرويد متعاطفا مع جنس واحد ومخاصما الآخر ويخلص قائلا للنساء: أنتن انفسكن المشكلة وفي السياق تأتي جمل طويلة وعبارات محددة على لسان بطلات أعمال روائية شهيرة مثل جين اير:( يفترض بالنساء أن يكن هادئات جدا على العموم لكن النساء يشعرن كما يشعر الرجال تماما).
تأتي الفصول اللاحقة مقدمة ثراء واضح بالاستشهادات التي تفيد بتحديد معنى ( الجنوسة) معظم تلك الاستشهادات مستلهمة من الأدب مثل: رواية ربيكا ,أليس في بلاد العجائب, أيلول الأخير, كل شيء هادئ على الجبهة الغربية واذا كان نشر أواخر القرن العشرين قد أصبح بشكل متزايد قسما أو تخصصا ضمن التكتلات المتعددة الوسائط الشاسعة فإن واقع الحال ايضا بالنسبة لكثير من الرجال والنساء هو أن قراءة الروايات لاتنفصل الآن عن استهلاكهم الأوسع للسرديات الثقافية عن طريق السينما والتلفزيون إلى حد كبير تحتل هذه الوسائط في الوقت الحالي الفضاء الذي كان ينتمي فيما مضى إلى المجال العمومي الأدبي وهي ضمن المواقع الأولية التي يتم بداخله بشكل تخيلي اشراك واستبعاد إحساسنا بأنفسنا كذوات أو كأفراد مجنوسين عبر تشكيلة من الأشكال الثقافية إن التأثير المضاعف لشكل ثقافي واحد على آخر أمر واقع وجدير بالدراسة يأتي الكتاب على ذكر تأثير المسلسلات الدرامية والسينما على تشكيل مصطلح الجندر.
فالسينما كانت إحدى الاشكال القليلة لتزجية الوقت المتاح لنساء الطبقة العاملة خارج البيت والتي لم تكن حكرا حصريا على الذكور كانت رخيصة وكذلك ملائمة بما فيه الكفاية لكي تضغط في فراغات اليوم العادي وهذه المتاحية الوفيرة كانت مغرية للنساء الأكثر غنى أيضا..
بغض النظر عن قلة أو كثرة المال الذي كانت تمتلكه هؤلاء النساء فإن السينما وفرت لهن (مشهداً ليستهلك) بسبب البروز المتنامي للمشاهدات ضمن جمهور السينما بدأت تظهر الأفلام التي تخاطبهن مباشرة بتشكيلة من الاشكال إن مسلسلات مثل ( مخاطر هيلين) قد صورت بطلات مغامرات فاعلات جسدياً وفرت الاستمتاع بصور المقدرة الانثوية والشجاعة والحركة الجسدية واستمرت شخصية الفتاة الحديثة الجريئة حتى عشرينيات القرن العشرين من خلال ممثلات مثل غلوريا سوانسون لكن النجم الذي يبرز على النحو الأكثر دراماتيكية تناقضات المشاهدة الانثوية هو معبود حفلات الظهيرة رودولف فالنتينو في سياق مسيرة سينمائية قصيرة بشكل غير عادي فإن فالنتينو لم يجعل النساء يغمى عليهن فحسب, بل ظهواراته كان من الممكن أن تؤدي إلى أحداث شغب صغرى تشخيصية النجومية كانت تجمع الإغراء الغرائبي الملحوظ مع ايروتيكية غامضة على نحو يثير الفضول مثل شيخ عربي أو نبيل فرنسي أو فارس أو راقص أميركي لاتيني في حالة فالنتينو كانت العلاقة بين النجم والمعجبات علاقة استحواذية.
يظهر جليا أنه في النقد الأدبي تفيد دراسة الجنوسة كبوصلة لا تخطئ للناقد المتسلح بمبضع التحليل النفسي الفرويدي وغير الفرويدي كي يتتبع مسارات ومصائر أبطال الروايات والمسرحيات وغيرها من الأجناس الأدبية كما تفيد كمصيدة للهفوات والزلات التي يستدرج اليها المؤلف في غفلة من وعيه وبتواطؤ من لاوعيه حينما يتعلق الأمر بسيرورات ومآل الصراعات الدرامية التي يكون الجنس محركها ووقودها.
الكتابة: الجنوسة ( الجندر) - تأليف- ديفيد غلوفر - كورا كابلان. - ترجمة: عدنان حسن.