إذ قدم مجموعة
من شخصيات فرجتنا معاناتها الانسانية, وقد فقدت طرفاً أو حاسة من جسدها. شخصيات نسيت (إعاقتها) وقلقها , خوفها, رعبها. وفرجتنا روحها وهي بكامل نبلها. د. وانيس باندك ألقى الشحنة الدرامية ( العاطفية والنفسية) على الخشبة وكأنها من صنع ممثليه الذين في (اللمبة) وليس على انها معاناتهم الشخصية بصفتهم معوقين.وبذلك حققوا اكثر من ذروة , فكنا مع حركة حية لممثلين متمرسين, يؤدون ادوارهم بمنتهى العذوبة والقوة. تمثيل /ممثلون أثاروا الكثير من الاستجابات النفسية لدينا ونحن نتفرج عليهم, فبدوا وكأنهم يملكون خبرات استطاعوا ان يلقوها أمامنا على الخشبة, يلقون خوفهم, غضبهم,توترهم المحجوز بين الحلم والحياة, خاصة وانهم اصحاب الواقعة/ المشكلة: فهم لم يقلدوا , لم يحاكوا الدور , وبالتالي لم يستنفذوا نسغ الحياة الذي في أعماقهم فيستهلكوه بشكل بائس.
لقد كان دورهم الذي فصله لهم ممدوح عدوان, وأخرجه د.وانيس باندك محفزاً فنقيم معهم تلك العلاقة الجمالية التي نشأت في الصالة, فممدوح في هذه المسرحية التي كتبها خصيصاً للمعوقين تحدى أكثر الاحلام جنوناً, ففرجانا مسوخنا الداخلية التي تصادر الحياة فلا مستحيل.
فراس حموي, بدر سمان, جورج كالوس, محمد عاشور, زكريا مغربي, ياسر بستاني , فراس البيوش, لويس أدوار, محمد نجار, فادي البيوش, قاموا بتأدية أدوار قاسية, فأخذونا بسحر اللعب والاغنية- الاغاني من ألحان وضاح كوريني-وهم يسمون بارادة الخير الذي بدا قوة إنما كانت كامنة في أعماقهم خوفا من بطش الشر الذي يمارس جشعه باضطهادهم على أنهم مخلوقات (ناقصة) وهذا ما حرك اعصابهم ودمهم, فصارت أحزانهم, عذاباتهم تزيدهم شجاعة وصلابة, وهذه ما اشتغل عليه د.وانيس باندك كثيراً, فاعاقة الجسد التي كانت مصدر خوف ورهبة لهؤلاء المعوقين فيخافون من الاصحاء صارت رأس مال عندهم , رأس مال يسمو بمعاناتهم التراجيدية, فلا يهمهم ما يتصدق هؤلاء الاصحاء المعافون عليهم من مشاعر الشفقة وصارت حركتهم على المنصة تبرز سلامة وتماسك وغنى روحهم, فالذاتي اندغم بالموضوعي, وهذا ما حولهم الى ممثلين , فعاشوا التناقض/ النزاع الذي تحول الى صراع بينهم وبين سعيد أفندي زعيم المعوقين الذي كان يدفعهم للتسول, ويعاقبهم لو تقاعسوا أو كانت محاصيلهم قليلة بالاهانة- بتعنيفهم وشتمهم-وبالتجويع وكأنه وهو معوق مثلهم ( السيد) فيما هم (عبيد) وقد اشتراهم بصك, صك هو العقد الذي وقعه معهم على انهم عمال يشتغلون عنده. وهذا ما أشعل (اللمبة) وصار ضوءها ينير عقولهم , لا بد من العصيان والتمرد على هذا الزعيم بتحريض من (بديع) الذي صار يبحث عن عمل نظيف وشريف, ما يدفعهم الى المغامرة بترك ( كار الشحادة) والدوس على الخوف فيدخلون معهداً لتأهيلهم, فيطق سعيد أفندي وينفجر من الغيظ, وعلى حد تعبيره,فقد خسر كثيراً بتمردهم واجترائهم على عصيانه فهم ثروة بالنسبة إليه( مرابح بلا رأس مال) فيقرر أن يحيك لهم مؤامرة, فيقدم دعوى ضدهم لضابط الشرطة على أنهم سرقوا أموالاً ومتاعاً فيشتد الصراع, لكنه أمام إصرارهم على التحرر من قيود ه و قيام بديع بسرقة العقد الذي كان الورقة الضاغطة على أرواحهم يخسر سعيد وتنتصر ارادة الحياة بداخلهم ويتوجونها بالفرح بزواج أحمد الاعمى من سعاد ( العرجاء).
ممدوح عدوان في هذه المسرحية التي كتبها للمعوقين كان يتعامل معهم على اننا نحن المذنبون بحقهم ,وكان يشعر بأننا مدينون لهم.لذلك أراد ان يفرجينا كم نحن أشرار, فصار يسل خيوط حماستهم للحياة خيطاً خيطاً, وينسج منه ثوب حريتهم فشقاؤهم الذي سببه عاهاتهم من العمى الى الشلل الى العرج الى التشوهات الخلقية , ليس نتيجة خطأ او عقوبة على ذنب اقترفوه فمن المحتمل ان نكون مثلهم في اية لحظة من جراء حادث او مرض , ولذا فليس من الشجاعة ان نضطهدهم او نعدمهم عقلهم وهم على خشبة المسرح وكما اشتغل معهم د. وانيس بانداك فلقد تحولوا الى ممثلين حقيقيين, معاناتهم الشخصية تحولت الى وقود لانتصارهم على العجز, والخوف, فصاروا فرسان منصة المسرح, فليس من مصيبة يعيشونها ولا هم ضحايا, وبالتالي- وهو السؤال الذي حسب رأيي أقام عليه ممدوح عدوان مسرحيته هذه: ما هو الذنب الذي ارتكبه المعوق فنعاقبه, نقتله تلك القتلة الاخلاقية?!.. د.وانيس باندك في (اللمبة) أكد أن الاخراج يحتاج الى شجاعة لأنه حرية وتاريخ , لأنه مشروع وذاكرة.