فعودة إلى أحداث ذلك اليوم نجد أن سورية كلها هبت لإعلان رفضها للاحتلال، وهاجمت أماكن تواجد قوات الاحتلال وتحررت أغلب المدن السورية من الاحتلال قبل إعلانه رسميا في السابع عشر من نيسان من العام التالي 1946.
لم يكن البرلمان السوري وحده هدف قوات الاحتلال، بل شمل العدوان في التاسع والعشرين من أيار كافة المدن السورية فكانت الاشتباكات مستمرة بين الجنود الفرنسيين وأفراد الشعب من المقاومة الوطنية.
ونجد الوقائع الكاملة لأحداث ذلك اليوم التاريخي وما تلاه من تحركات على الصعيد السياسي في كتاب أصدرته وزارة الثقافة في عام 1962 بعنوان (قصة الجلاء عن سورية).
ويعيد الكتاب بداية الأحداث إلى يوم الثامن من أيار يوم إعلان الهدنة وانتهاء الحرب العالمية الثانية حيث أخذت الدبابات الفرنسية تجوب شوارع دمشق والمدن السورية بشكل شبه استفزازي وبدا أن الشعب السوري مصمم على الحصول على الاستقلال مهما بلغ الثمن، وكانت الخطوة الثانية من قبل الاحتلال عندما وجه اوليفا روجيه بلاغا في 22 أيار طلب فيه من وحدات الجيش الفرنسي قمع أي حركة جماهيرية.
وجاء في الكتاب التوثيقي أن الاعتداء الأول على البرلمان كان في ليل العاشر من أيار، كما قام بعض الجنود بإطلاق النار على الناس في الشوارع، فقامت المظاهرات في جميع أنحاء البلاد.
وكانت ذروة الأحداث في الساعة السادسة والدقيقة الخامسة والخمسين، عندما بدأ قصف البرلمان وأحياء دمشق بما فيها المشافي والمدن السورية بالمدافع الثقيلة، وقام جنود الاحتلال بنهب الوزارات و الدوائر الحكومية ومنها مبنى رئاسة الوزراء والمالية والداخلية والخارجية ومديريات الأوقاف والإعاشة، وكانت الحمم تنصب على دمشق من ثكنات المزة والقابون وشارع النصر.
وتعرضت مدن كثيرة للقصف الجوي لأن الثوار طردوا قوات الاحتلال وحاصروا الفرنسيين في ثكناتهم وهاجم أفراد الشعب كافة المراكز العسكرية. ومنها مدن حماة وحلب ودير الزور، كما التحق أغلب ضباط وجنود القطع العسكرية الخاصة بقوى الدرك الوطنية وانضموا إلى المجاهدين.
وشهدت حماة معركة قتل فيها عدد كبير من ضباط وجنود الاحتلال، كما حاصر أهالي حلب المحتلين في ثكناتهم، وفي إدلب وجسر الشغور قتل المجاهدون قادة الجيش المحتل في المدينتين ورفعوا العلم السوري فوق الثكنات الفرنسية، وأخرج أهالي دير الزور المحتلين من المدينة، ووقفوا عند مدخل المدينة لصد أي هجوم، وفي السويداء تم وضع خطة محكمة تمت بواسطتها محاصرة القوات الفرنسية وتم أسر قائد الحامية واستعاد الأهالي جميع المراكز التي كانت بيد الاحتلال ورفعوا الأعلام السورية فوق كل تلك المراكز.
وقد أدان العالم العدوان الفرنسي وخرجت المظاهرات في أغلب العواصم العربية منددة بجرائم الاحتلال ومؤيدة لاستقلال الشعب السوري وفي مقدمتها بيروت وعمان والقاهرة وبغداد وجدة.
وأبدع أحمد شوقي واحدة من أروع قصائده يصف فيها مأساة دمشق ويرى في الدماء التي سالت بداية الطريق إلى الحرية:
سلام من صبا بردى أرق ودمع لا يكفكف يا دمشق
دم الثوار تعرفه فرنسا وتعلم أنه نور وحق
وللحرية الحمراء باب بكل يد مضرجة يدق