وكان يوجب حفظه عن ظهر قلب، على كل من يتعلم القراءة والكتابة، تحت يد «عمي الخطيب» في ضيعة ثلاثينيات القرن العشرين، كما بدأت بذلك جرياً، ولاريب، على ماكانت أجيال تلك الأيام الخالية، تتعلم القراءة والكتابة، على مايتاح، في تلك الأيام، بقاعدة «حق الولد على أبيه» أن يحسن تسميته، يختار له اسماً حسناً كريماً، يكنى به، ولايسميه كيفما كان!.
وعمي الخطيب، على ما أتيح لجيلنا في الضيعة، عقب الفراغ من الحصاد، والتخلي عن رعي بقرات البيت الفالوت بأولاد البيت، مثلنا، أظن ذلك صيف 1933.
عمي الخطيب، على ماكانت عليه عادة الضيعة، التي لايوجد فيها ومنها خطيب، أن تستقدم مثله، من غيرها، كان الشيخ عباس الباره، حضرنا لديه، تحت سنديانة البطميات، مع جيلنا من أولاد عين الجاش، ذلك الصيف!.
وعمي الخطيب، باعتباره من خارج الضيعة، أكله، بالدور يوماً عن كل تلميذ. من أطيب ما لا تطعمون أهلكم، يحمل إليه كسر الصفرة... الغداء والعشاء، إلى تحت البطمايات، شجرة بطم واحدة مشتركة بالعرق مع سنديانه، وإذ كانت السنديانة، بضخامة عرقها، قد نشبت كالسهم في الجو، بما يناسب علو السيار من فوقها، فإن البطماية قد كوخت على رأس حافة، وأرت أذيالها الكثيفة على مايشبه البيدر أيضاً، بما يناسب ارتفاع الحافة عما تحتها، كما لو كانت على شفير واد واسع وعميق، الهواء يلعب بأذيالها الدانية، على البيدر بلصق السور العالي إلى فوق، بحيث كان الذين يشتهون نومة في الظهيرة، لايجدون أنسب لهم من «تحت البطمايات»!.
وسورة «الجن» أول ما قرأناها، في «جزء تبارك» وقيل في ذلك الجن، أنهم من نصيبين قبل أن نصل إلى سورة «يس» ونقرأ فيها: «وذكر أصحاب القرية إذ جاءها المرسلون..» وقيل إنها أنطاكية، على ماتقدم، من رؤيتها، في تموز 1964!. فقد ظل ذلك الاسم «نصيبين» في الغيب، كاسم وادي عبقر، الذي صار يتردد معنا وعلينا، من أول ما أخذنا نقرأ الأدب العربي، يعرض لنا، أو لايعرض، أن سنرى بالعين، ذات حين، وادي عبقر، أو نصيبين؟.
ولكن نصيبنا خاصة، برؤية نصيبين، كان أقرب إلينا من رؤية وادي عبقر، إذ قدر لي اختياراً، بانفصال سنة 1961، أن أذهب للتدريس في محافظة الحسكة، على أن أبقى صحفياً، على ماكنت قد سميت محرراً في جريدة الوحدة، في صيف 1959!.
وإذ كنت أمر ببلدة، عاموده، ذاهباً من بلدة الدرباسية، نصفها في سورية، ونصفها في تركيا، إلى القامشليه، أشير لي إلى نصيبين، على رمية حجر، بإزاء عاموده إلى الشمال.. (سيلي).