تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


من ضوابط تطوير الفكر الإسلامي المعاصر

دين ودنيا
الجمعة 29-5-2009م
الشيخ محمد الملحمي

لا شك في أن حملة التطوير والتجديد التي لازمت الفكر الإسلامي منذ نشأته قبل أكثر من أربعة عشر قرناً وإلى يومنا

هذا وعبر هذه المسيرة الطويلة قد حفلت بجملة من الإيجابيات والسلبيات والتي شكلت أبرز مفاصلها ظاهرة صارت فيما بعد السمة المميزة للاتجاهات الرئيسية في الفكر الإسلامي، وهنا صار علينا لزاماً أن نعدو ونؤسس لمرحلة جديدة تحمل بين طياتها عزماً أكبر وجدية أكثر في مجال وضع الضوابط الكفيلة بالحفاظ على توازن وموضوعية حملة التجديد الفكري المعاصر وتطوره بحيث يصير من الصعب على كل من هب ودب أن يدلي بدلوه سلبياً فيكرر ما وقع عبر المسيرة الطويلة لتطور الفكر الإسلامي من أخطاء ومحن تمخضت عن مجموعة من الآراء غير المنضبطة التي أثقلت كاهل من خَلَفَهم لو عاصرهم من الدعاة إلى الله ممن تمتعوا بسعة الأفق وانقداح الذهن وصدق التوجه.‏

نقول مستعينين بالله أن من ضوابط تطوير الفكر الإسلامي التنويري المعاصر التالي:‏

1- تأصيل النصوص موضع الاستشهاد، حيث أن كثيراً من مطولات الكتب الفكرية كانت أثقلت بالغث والسمين من الآراء والأدلة والتأويلات تبريراً للاعتقاد والقناعة التي يراد مذهَبَة الناس بها مع ما كانت تحمل أحياناً من الزيغ والتطرف المشين والذي لا يسع المنصف إلا أن يقر بأن الإسلام لم يأتي أبداً بمثلها أو ما يقال أنها تمثله من مضامين.‏

2- معالجة المشكلات المعاصرة لواقع الأمة، والتي هي في الحقيقة الهدف الرئيس من نشأة الفكر الإسلامي كعلم مستقل (منهجياً) عن الفقه والعقائد، إذ ليس الهدف من شرح أجزاء منظومة الفكر الإسلامي، إظهار هذا على ذاك ولا استعراض القدرات الذهنية والعقلية للمفكر، ذلك أن المفكر الصادق لا يلتفت لهذا أبداً ولا يمكن للشيطان أن يجعل من هذه الأمور مداخل وسبلاً إلى قلبه.‏

3- إغناء الطروحات والآراء بالنصوص المتفق عليها والمعتبرة لدى جمهور العلماء، وتحجيم الآراء الشاذة والضعيفة بالنزوع إلى المجمع عليه من النصوص القطعية الثبوت والدلالة من مختلف مصادر التشريع وحسب أولوية المراتب.‏

4- تقويم الأسلوب المتعلق بطرح الفكرة من خلال النقد الذاتي والاستعداد لقبول النقد الخارجي، وخصوصاً ذلك النوع الموضوعي والمبدئي ومناقشة الرأي الآخر والأخذ والرد بهدف الوصول إلى أسلم السبل نحو تطوير وتجديد الفكر الإسلامي وبث روح النهوض بواقعه المعاصر.‏

5- تقديم صورة الإسلام الحقيقية من خلال حملة التجديد، حيث أنه الهدف الثاني والذي يقع في صدارة الأهداف الكامنة وراء حملة التجديد والتطوير في واقع الفكر الإسلامي، ومن أمثلة ذلك: تقديم ثقافة التماسك الاجتماعي والتعايش السلمي وأثرهما في حصانة المجتمع السليم إزاء الأخطار والأمراض التي تتهدد المجتمعات الإنسانية باستمرار، وكذلك تأكيد الإسلام على ضرورة التعايش السلمي مع الراغبين بذلك من الآخرين، وكدافع رئيسي على فهم تركيبة عقلية المسلم فإن ذلك الجهد يأتي في ذات السياق أي بمنظومة الفكر الإسلامي الأصيل المتزن والدعوة كذلك للحوار على أساسها واستناداً إليها.‏

6- الابتعاد عن جميع أشكال الاستعلاء الفكري، كالشعور بالأفضلية المتشنجة إزاء الآخرين، أو الشاذ من الآراء والأفكار، بل والدعوة أحياناً إلى اعتمادها سعياً لئن يذيع صيت اسم صاحب الطرح أو اسم مذهبه أو عائلته مما يسبب تشويشاً واضطراباً واضحين على حركة التجديد والتنوير خصوصاً وإن كثيراً من تلك الدعاوى تأتي تحت غطاءيهما.‏

لا شك أن هذه اللمحة الموجزة عن ضوابط تطوير الفكر الإسلامي المعاصر لا تشكل منهجاً متكاملاً عن كيفية ضبط حركة التطوير، لكنها قد تكون محاولة محدودة من المحاولات الداعية لتصدي كبار المفكرين والعلماء لهذه القضية الحساسة والبالغة الخطورة، وما تقدم قد يعطي للقارئ الكريم نبذة عن بعض المقدمات المتواضعة في مجال الدعوة لتخصيص وتسمية ضوابط تطوير الفكر الإسلامي المعاصر، نحو إرساء دعائم القواعد العلمية المتينة التي تبنى عليها تلك الضوابط والأطر التي تعد الدارسين والباحثين في هذا المجال.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية