غير أن هذا العالم الإسلامي ليس سيد نفسه بالطبع ثمة لاعبون دوليون كثر يتدخلون سياسياً وعسكرياً ليصنعوا فيه ما يحلو لهم من الأحداث إنه ملعب وساحة لهؤلاء اللاعبين ولا يشارك لاعبوه الأساسيون في تلك الألعاب إلا بمقدار ما يسمحون به، وما كان هؤلاء اللاعبون ليلعبوا دوراً ويمارسوا نفوذاً وسيطرة لولا وجودهم مباشرة أو مداورة في ملاعب العالم الإسلامي وساحاته المتعددة.
كبير هؤلاء اللاعبين -الولايات المتحدة موجودة مباشرة وبقواتها العسكرية وبقواتها العديدة في العراق وأفغانستان وبالذراع الطويلة لطيرانها الحربي في باكستان وبقواعدها العسكرية وتسهيلاتها في أغلب البلدان الإسلامية وبأساطيلها البحرية في مختلف بحار ومحيطات العالم والتي تجاور العالم الإسلامي.
إلى ذلك تتواجد الولايات المتحدة مداورة في قلب جغرافية العالم الإسلامي وفضائه السياسي، فهي موجودة جغرافياً في الكيان الصهيوني العنصري ذاته والذي له دور ووظيفة في استراتيجية أميركا في غرب آسيا ولا سيما في منطقة الشرق الأوسط العربي وهي موجودة سياسياً بالوكالة أو بالإنابة من خلال الشبكات الحاكمة في مختلف البلدان الإسلامية المتحالفة معها.
تلك الحكومات التي تحكمها الاتفاقات الثنائية والقرارات الصادرة عن المؤسسات الدولية «مجلس الأمن» بمساعدة الولايات المتحدة في الحرب على «الإرهاب».
في مقابل هذا الوجود الأمريكي السافر المباشر وغير المباشر وفي حربها المزعومة ضد «الإرهاب» اندلعت مقاومات وطنية شتى يغلب عليها في معظمها الطابع الإسلامي.
معها بدا عالم الإسلام برمته يقاتل أمريكا على امتداد مساحته الواسعة الشاسعة من موريتانيا غرباً إلى ماليزيا شرقاً ومن جمهوريات آسيا الوسطى الإسلامية شمالاً إلى بلدان القرن الإفريقي جنوباً.
لقد أفلحت هذه المقاومات في مواجهة الولايات المتحدة واستنزافها. هذا ما يظهر على السطح وبشكل مباشر وهذا ما حدث ويحدث في العراق وأفغانستان وباكستان ومداورة في لبنان وفلسطين والسودان.
مع وصول باراك أوباما يبدو أن أمريكا أفاقت من أوهام حروبها الفاشلة وتحت قيادته قررت الخروج من حمأة أزمتها العالمية المتفاقمة.
أعلن ذلك أوباما نفسه في خطبة تنصيبه، إذ دعا إلى فتح صفحة جديدة مع العالم الإسلامي ثم دشن ذلك عملياً بزيارة إلى الجمهورية التركية من حيث هي في رأيه نموذج متقدم لإسلام عصري متصالح مع الغرب.
ويتردد أن أوباما قد اختار مصر ليعلن من قلب عاصمتها إستراتيجيته المتكاملة لمقاربة كل قضايا أمريكا والغرب الأطلسي العالقة مع العالم الإسلامي ومحاولة حلها.
باب المقاربة سيكون بالطبع قضية فلسطين، منه سيلج إلى القضايا الأخرى وأبرزها قضايا العراق وأفغانستان وباكستان والسودان وغيرها واستعداداً لهذه المهمة الجلل يقوم الرئيس الأمريكي بجمع المعلومات وإعداد الملفات ووضع الخطط والمقاربات اللازمة.
في انتظار تبلور إستراتيجية السيد أوباما وإعلانها يمر العالم الإسلامي كما الولايات المتحدة ودول الغرب الأطلسي في مرحلة «انتقالية» مرحلة الانتقال من حال التخاصم والتصادم إلى حال التحاور والتفاهم وهي مرحلة حساسة تثور فيها لدى الجانبين كثير من الأسئلة المفتاحية على الشكل التالي.
- هل اقتنع أوباما وفريقه الحاكم فعلاً أن إيجاد تسوية عادلة للصراع العربي «الإسرائيلي» انطلاقاً من قضية فلسطين المركزية مستحق لذاته من جهة وكمدخل لا بد منه من جهة أخرى لمعالجة قضايا سورية ولبنان والعراق وإيران (البرنامج النووي).
- هل إسرائيل في ظل أكثر الحكومات تطرفاً وتصلباً منذ ستين عاماً قادرة وراغبة في تقديم تنازلات وتسهيلات تمكن إدارة أوباما من انتاج تسوية عادلة للعرب بشكل عام وللفلسطينيين بشكل خاص؟.