والأخطر أن يصبح ذلك شرطا مرافقا لكل منهج سياسي أو اقتصادي أو ثقافي , ويتطلب بالضرورة مقياسا أو معيارا من التوافق ليكون منسجما مع متطلبات السلوك الجديد , بغض النظر عن أي اعتبار آخر مهما كانت ضرورته أو خصوصيته .
وهذا ما يبرز علنا في الطرح الجديد الذي تناول المفاهيم المرافقة للتعديلات التي طالت الإطار الخاص بالعولمة, كسياسة, لا بد من اعتماد معاييرها من أجل الحصول على جواز مرور إلى العلاقة مع الآخر, دون أن يقترن ذلك بأي تفهم لطبيعة العلاقة الناظمة التي استمرت لعقود, وهي خالية من أي حاجة طارئة لذلك التعديل.
ولعل ما يثار من جدل حول المسؤوليات التي برزت في أعقاب سلسلة من النتائج المخيبة على أكثر من صعيد, يكشف العلاقة الملتبسة التي يتم الترويج لها في سياق من التأطير الآنف ليقدموا تفسيرات متباينة حول تلك النتائج, بحيث برزت الحاجة الفعلية ليكون ذلك التنظير جزءا من النتائج ذاتها .
وهو ما يمكن التقاطه بوضوح في المنهجية التي يتم الترويج لها اليوم على نطاق واسع حول الصيغ الجديدة التي يمكن الإتكاء عليها لتسويغ السقوط الحاصل في السلوكيات المرافقة على قاعدة من الاتهام المسبق للآخر بالقصور وعدم القدرة على الاستجابة بشكل كاف لمتطلبات وحاجات العولمة .
فكل ما يتم تقديمه اليوم يكاد يكون رزمة واحدة من المطالبات التي لا تنتهي بضرورة أن يكون جزءا من المسعى الأميركي لتطبيق سلوك يتوافق والحاجات الامبراطورية المستجدة, بل تستطيل بشكل مرضي, حين يتم الإصرار على أن تكون أيضا النموذج الحصري لنيل الرضا الأميركي في عالم يشهد مساحة كبيرة من التموجات الرافضة لذلك السلوك والممتعضة من النتائج التي تقود إليها.
ويتحول المشهد في عموميته إلى خلط بين العولمة بفضائها الواسع لتلاقي الحضارات وتلاقحها, وبين الرغبة في ترويجها لتتوافق مع تلك الحاجات الامبراطورية التي فرضت سياقها العام على كل ما يشهده العالم كتصدير مبرمج لتلك المفاهيم الأميركية حصرا .
وحين يحصل أي تعارض تحاول دوائر التنظير الأميركي أن تحسمه لمصلحة مفاهيمها, فيصبح التداخل المتعمد في الكثير من القضايا والحاجات على حد سواء ومسوغا لترجيح الكفة الأميركية دون نقاش.
وهكذا تتحول المفاهيم إلى سلوكيات مرتبطة أولا وآخرا بالقبول الأميركي, ومظاهر النزق في السياسة الأميركية ستكون وفق هذا الواقع مجرد سقطات, وربما هنات يمكن تجاوزها, بل من الواجب على العالم أن يتجاوزها لمكافأة قائد النظام العالمي الجديد.