|
نافذة برلمانية.كلام.. في إجازة آراء
ولأننا نظل على تواصل فيما بيننا عبر الهاتف , فقط عبر الهاتف, علمت من بعضهم أنهم يشعرون بالحنين الى قبة المجلس بكل ما يدور تحتها من حوار ونقاش , ومنهم من عبر عن اشتياقه أيضاً الى الزملاء , ووصف العلاقة بين الاعضاء بالحميمية والتميز في هذا الزمن الذي باتت فيه العلاقات هشة ورخوة كخيوط العنكبوت تصطاد ولا تحمل ثقلاً ولا تمتن وداً, وثمة من قال إنه يشعر بالألم من العودة الى المجلس لأنه لا يستطيع أن يحمل معه كل الأسئلة التي حمله إياها الناس خلال الاجازة وهي كثيرة في هذا الزمان , ولو حملها لن يستطيع عرضها كلها أمام الحكومة , لأن الزمن المخصص , للمتحدث في ( الحوار المحبب) في رأيه لا يكفي إلا للقليل منها, هذا إذا برع المتحدث في الايجاز , وفي رأيه أيضاً أن في الايجاز أحياناً تشويهاً للبلاغة وقتلاً للمضمون , ولهذا يقترح أن يقوم بطرح اسئلة الناس في كل محافظة متحدث واحد , وفي كل جلسة ( حوار محبب) يتجدد المتحدث وربما تتجدد الاسئلة وهكذا يتوافر الوقت للمتحدثين جميعهم وللأسئلة والاجوبة. ولأن الفكرة معقولة أتمنى أن يعمل بها في الدورة القادمة. على أي حال.. مهما تعددت الآراء , وبالرغم من حنيني الى العودة الى تلك القبة الدائرية الجميلة بزخرفتها وأناقتها وتاريخها والى ما تحمله من رموز في حياة الوطن والى كل ماشهدته طوال حياتها من حوارات وطنية كتبت تاريخ سورية الوطني المجيد , واشتياقي الى أصدقاء كثيرين تعرفت اليهم تحت هذه القبة وبالرغم من إعجابي بتلك الحوارات التي تعبر عن رقي الاعضاء وثقافتهم العالية, وبذكاء رئيس المجلس وقدرته على قيادة اعمال المجلس ما يكسب هذه المؤسسة التشريعية عراقتها وقوتها ومكانتها الريادية بين المؤسسات التشريعية, فأنا مع رأي الكاتب الفرنسي ( بيار كلاستر) الاجازة طاقة جديدة لمن يبحث عن التجدد والفاعلية , والاجازة ليست استراحة , فهي وقفة لاعادة شحن العقل والجسد والروح بالطاقة. كثيرون في العالم العربي لا يشعرون بقيمة الاجازة , أو بالاحرى لا يحاولون الاستفادة منها, يندون ايامها في أمور عبثية بدءاً من قتل الوقت امام التلفزيون الى النوم العميق القريب من السبات الشتوي الذي تمارسه بعض الكائنات الحية, الى إغلاق الذهن بعيدا عن المطالعة والثقافة , ولاسيما إذا كان صاحب الاجازة في موقع متقدم, لأن الكرسي بشكل آلي - كما هو دارج- تمنح صاحبها احساساً بالتفوق وبمعرفة العلوم كافة من عصر هابيل الى زمن الحداثة والى زمن ما بعد الحداثة ولا جدل في ذلك. كيف يمضي اعضاء المجلس إجازاتهم?! أحدهم سألني هذا السؤال عبر الانترنت تعليقاً على نافذة برلمانية كانت تتحدث عن الاوضاع المعيشية للناس, وكيفما كان قصد السائل بسؤاله وجدت السؤال مهماً وحافزاً للسؤال معه كيف يمضي اعضاء مجلس الشعب اجازاتهم , لن أسألهم كما يجري صحفي تحقيقاً , وانصح الزميل اسماعيل الجرادات محرر صفحة تحت القبة كل اثنين بإجراء تحقيق صحفي في هذا الشأن أظنه سيكون ناجحاً. بالتأكيد.. لن يسافر الاعضاء خلال الاجازة الى اوروبا أو إلى جزر الهاواي ولا حتى الى تدمر بالرغم من إلحاح الزميل أحمد قشعم على الزملاء لزيارتها وبضيافته, ولا الى الساحل بالرغم من ان اعضاء المجلس من أهل الساحل اعلنوا عن سعادتهم أن يقوم الزملاء بزيارة البحر الجميل.. لماذا.. قد يتصور بعض من هم خارج المجلس ان الاعضاء يمضون .. اجازاتهم اما في يخوت او فنادق من عشرين نجمة او في ضيافة امراء ألف ليلة. يا صديقي ليس كل ذلك.. وسأقص عليك هذه الحكاية التي حدثت معي كنت في وفد برلماني الى دولة عربية , وفي تلك الدولة رافق الوفد شاب يعمل موظفا في برلمان ذاك البلد العربي أظهر لنا احتراماً واهتماماً كبيرين , أولاً لأننا من سورية البلد العربي الممانع المقاوم وثانياً لانه في الاساس متخصص في استقبال الوفود , وقبل الانتهاء اقترحت على زملائي ان نقدم له هدية, واتفقنا على أن نقدم له مبلغاً نقدياً لعله يحتاجه وسوغنا ذلك له أننا لا نحمل هدايا من البلد , نتمنى عليه ان يقبل المبلغ المتواضع , ليشتري به هدية له او لاسرته , لكن الرجل رفض المبلغ بكل إباء. خلال وجودنا هناك رحت أطرح عليه أسئلة بين الحين والحين, كنت أريد بطريقة ما أن أكتشف سبب رفضه للمبلغ , وبعد تقريب وتبعيد سألته: كم تتقاضى في الشهر? وفوجئت انه يتقاضى مبلغاً يوازي مرتين راتب عضو مجلس الشعب السوري, وكثيرون من اعضاء المجلس يشكل هذا الراتب المصدر المهم أو الاهم في دخلهم المتواضع .. لذا فهم يا صديقي من الناس ويعيشون مثلهم قسوة الحياة وصعوبتها وليس لديهم الوفرة لتجاوز وجع الحياة او الذهاب في اجازات ترفيهية , واحياناً قد لا يجدون الوقت الكافي للمطالعة المتخصصة لان الحياة بمرها وقسوتها وضغوطها اخذتهم كما أخذت بقية الناس.
|