وقد تم توثيق إبداعات هذه الحضارة باستخدام طريقة »الكتابة المسمارية CUNEiFORME «وهي معاصرة لطريقة الكتابة الهيروغليفية في مصر الفرعونية ,ولكنها تمتاز عنها باستخدام »الحرف « للتعبير عن الكلمة بدلا من »الصورة« ومعنى هذا أنها اعتمدت على »الرمز « بدلا من تصوير الأشياء المراد التعبير عنها .
وقد عبرت الحضارة السومرية عن نفسها في عدة مجالات كالأدب والرقص والعمارة والفلك والزراعة وجر المياه ,...وكان الشعر دوما هو أهم الصنوف الأدبية التي اهتم بها السومريون .
وضمن هذا الشعر كان الشعر الغزلي هو الأهم وخاصة ذلك الوارد على ألسنة النساء وقد اخترنا قصيدتين للتعبير عن ذلك .
القصيدة الأولى : يقضي منا واجب الأمانة العلمية الإشارة إلى أننا لسنا نحن من اكتشف نص هذه القصيدة ,ولسنا من ترجمها إلى العربية ,بل يعود الفضل في ذلك إلى الدكتور وديع بشور كما يظهر في أسفل هذا النص (1) .
والشاعرة التي نظمت هذه القصيدة اسمها »بلبالة« وهي من مجموعة المغنية »أنانا « التي كانت مطربة شهيرة في بلاطات المدن السومرية .
هذا ومن الجدير بالذكر أنه تم اكتشاف هذه القصيدة السومرية منقوشة على لوحة مزخرفة في متحف استنبول عام 1951 ,وقد تمكن المؤرخ والآثاري المعروف »صامويل كريمر « من فك رموزها وترجمتها إلى الإنجليزية ,ثم ترجمها المؤرخ العراقي طه باقر من الإنجليزية إلى العربية ونص هذه القصيدة يذكرنا بالقصيدة التوراتية المعروفة »نشيد الأنشاد «,وفي حالة وجود بعض التماثل بين النصين ويكون »نشيد الأنشاد« هو المقتبس عنها وليس العكس لأنها أقدم منه في الظهور .
ومن المحتمل أن يكون العبرانيون قد اقتبسوها عن حضارات مابين النهرين في فترة السبي ثم ادخلوها في »توراتهم « تحت اسم »نشيد الأنشاد « ,وهذا الاحتمال ليس فيه أي مساس بقدسية التوراة الأصلية الموحى بها من الله .
نص القصيدة :
»أيها العريس الحبيب إلى قلبي
جمالك باهر حلو كالشهد .
أيها الأسد الحبيب إلى قلبي
جمالك باه حلو كالشهد
لقد أسرت قلبي فدعني
أقف بحضرتك وأنا خائفة مرتعشة
أيها العريس
سيأخذونني إلى غرفة النوم
لقد أسرت قلبي فدعني
أقف بحضرتك وأنا خائفة مرتعشة
أيها الأسد
ستأخذني إلى غرفة نومك
أيها العريس
دعني أدللك
فإن تدليلي أطعم وأشهى من الشهد
وفي حجرة النوم الملأى بالشهد
دعنا نستمتع بجمالك الفاتن
أيها الأسد
دعني أدللك
فإن تدليلي أطعم وأشهى من الشهد
أيها العريس
لقد قضيت وطر لذتك مني
فأبلغ أمي ,وستعطيك الأطايب
أما أبي فسيغدق عليك الهبات
وروحك ,أنا أعرف كيف أبهج روحك
وقلبك أنا أعرف كيف أدخل السرور إلى قلبك
أيها الأسد :
نم في بيتنا حتى انبلاج الفجر
وإنك لأنك شهواني هبني بحقك شيئا من تدليلك وملاطفتك
يا مولاي وسيدي الحامي
موضعك جميل حلو كالشهد فضع يدك عليه (3) قرب يدك عليه كرداء (جشبان )
إنها قصيدة (بلبالة )من قصائد (أنانا ) (4)
القصيدة الثانية هذه القصيدة ليست من نظم »بلبالة « ,ويغلب على الظن أنها من نظم إحدى البغايا المقدسات اللواتي كن يخدمن في أحد المعابد البابلية ,وهي تصف شعورها بعد لقائها بحبيبها وتقول في صيغة تتراوح بين الواقعية والرموز الإيروتيكية :
أوقفني وأمسك بقدمي
كان لمعانه شديدا
رجل ولا كل الرجال
وفي جميع البلدان
كانت روعته هي الأكثر جمالا
جرني إلى أسفل الجبل
وأعطاني ماء لأشرب
وكان قلبي مسرورا (5)
الهوامش :
1- الترجمة العربية نقلا عن كتاب الدكتور وديع بشور : سومر وأكاد - دمشق 1981 -ص127 و128 .
2- تلقب الشاعرة عريسها بالأسد دلالة على رجولته .
3- المعنى إيروتيكي ,وقد عبرت الشاعرة عنه رمزيا
4- هناك فرقة رقص سورية تحمل هذا الاسم اليوم
5- عن سامي الأحمد :» ملحمة جلجامش «
اللوح الخامس - العمود الثالث -ص 261