تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


يوسف المحمود مراسل التلفزيون السوري في رام الله: بعض الفضائيات تسوّق للرواية الإسرائيلية وتساوي بين الجلاد والضحية

فضائيات
الأربعاء 7/5/2008
حوار: سعاد زاهر

ثمانية أشهر من الحصار,ثمانية أشهر من الوجع الإنساني,والعالم يتفرج, مليون ونصف فلسطيني في قطاع غزة,أصبحت حياتهم مستحيلة بفعل الحصار الذي لم يمر على التاريخ أقسى منه,ومع ذلك فان التغطية الإعلامية خاصة على صعيد الإعلام المرئي تبدو متواطئة بشكل ما مع حالة الحصار تلك,الجميع يعرفون أن غزة محاصرة,

ولكن مع مرور الوقت يتحول الحصار إلى خبر هامشي في متن نشرة الأخبار,كما يتحول عدد الشهداء إلى خبر اعتيادي,كما تحول الشهداء إلى قتلى على بعض الفضائيات العربية,التي تحولت هي الأخرى لتمارس نوعاً من الرواية الاسرائيلية ولكن المؤلم أنها هذه المرة انها بأدوات عربية...‏

مراسل التلفزيون السوري في فلسطين يوسف المحمود هو الآخر يشعر بحرقة وبألم كبير جراء التعامل الإعلامي العربي مع أحداث غزة,ويرى التقصير ليس عربياً فقط,بل عالميا,ويتمنى لو يقتصر الأمر على التقصير إلا أنه في لقاءنا معه يقدم حالات عن تزوير الواقع الذي تمارسه إسرائيل التي تقتل الشهيد مرتين الأولى بالرصاص والثانية بالإعلام...‏

-منذ ثمانية أشهر وغزة تعيش وضعاً كارثياً,ولكن الإعلام العربي,لا يظهر فظاعة ما يحدث, إلا عندما نعيش مجزرة كبيرة وجديدة?‏

--إن هذا الحصار قل نظيره في تاريخ الاحتلالات من حيث أعمال البطش والوحشية,مجازر رهيبة تطال الجميع,هدم بيوت,ملاحقة مستمرة,مليون ونصف إنسان في قطاع غزة يتعرضون يوميا لأبشع أنواع الوحشية في بقعة ضيقة للغاية وهي الأكثر كثافة سكانية في العالم,وصل الأمر إلى انعدام المواد الأولية التي تجعل الحياة ممكنة.‏

قبل أيام اتصلت بزملائي في غزة لإجراء مقابلات من قطاع غزة ولكنهم اعتذروا بحرقة جارحة لأنه لا يتوفر لديهم البنزين للسيارات كي يذهبوا إلى مكان إجراء المقابلات,والأمر لا يقتصر على ذلك بل إن سيارات الإسعاف متوقفة,والمشافي مهددة بالتوقف تماما,و كانوا يتحدثون عن كارثة إنسانية وشيكة,مليون ونصف فلسطيني تهددهم يوميا مشكلة تدبير احتياجاتهم الأولية..طلاب المدارس والجامعات غالبا ما يذهبون إلى مدارسهم مشيا على الأقدام مسافات طويلة,لكنهم يصرون على الحياة,يبتكرون و يبتدعون أساليب ليتمكنوا من مواجهة الحصار,ويؤكدون دائما ,أنهم لن يستسلموا,ولن يسقطوا الراية.‏

ولعل أكثر ما يمزق القلب أن هذه الأحداث بمباركة ورعاية أمريكية,والأسلحة التي تقتل الأطفال أحدث الأسلحة الأمريكية هي التي تطارد الأطفال والشيوخ والنساء...ومع ذلك هذا الحصار يعيش تعتيما إعلاميا غريبا ليس من قبل الإعلام العربي,بل والإعلام العالمي الذي لايكتفي بالتغييب بل يقلب الحقائق ويزور الواقع ليقدمها بمنطق إسرائيلي بحت.‏

لا أدري أمام هذه الصورة الوحشية لماذا يسكت العالم,هل انتهت صلاحية الإنسانية?!!‏

- الصمت الإعلامي العربي وصل حد اللامبالاة حيث غالبا ما يقرأ الخبر الفلسطيني وكأنه أمر يحدث في مكان حيادي لا على أرض عربية?‏

-- سقوط خمسة شهداء فلسطينيين أصبح يعرض كخبر عادي يمر مرورا عابرا!! على الفضائيات,أليس خمس شهداء مجزرة خاصة عندما يقتل هؤلاء وهم عزل لاحول لهم ولا قوة.‏

الاسوأ فيما يعالجه الإعلام أن يستشهد طفل في العاشرة أو الثانية عشرة,فيقال استشهد ناشط فلسطيني أو شاب فلسطيني دون ذكر العمر, أليس هذا نوعا من المؤامرة من تلك الفضائيات العربية والمساهمة في قلب الصورة لصالح إسرائيل.‏

لو قلبنا الصورة واقصد انه لو قتل بضعة إسرائيليين ماذا كان سيحدث في إعلامهم,لا شك أن الدنيا تقوم ولا تقعد,شهدنا في مرات عدة عندما كان يسقط أحد الإسرائيليين كيف كانت تقوم قيامة العالم كله ولا تقعد.‏

هل الفلسطيني دمه مختلف?هذا الدم الذي لا يزال يهدر لا أقول منذ مئة عام, بل وبشكل يومي منذ ثمانية أعوام!! قضاها الفلسطيني بين الدم والأشلاء,ثمانية سنوات والعالم كله يرى يوميا أشلاء الفلسطيني وأشلاء الطيور وهي تلملم من تحت الأنقاض أو من على إسفلت الشوارع,نحن نعيش يوميا بين خطي النار والدم.‏

-التغيرات السياسية العربية انعكست على الخطاب الإعلامي,حيث بتنا نلاحظ في بعض الفضائيات العربية تبدلاً في طريقة التعاطي مع الحدث الفلسطيني,إلى أي درجة يساهم هذا التبدل في تبديل ذهنية الناس?‏

--بعض الفضائيات تتحدث عن قتل حينما يسقط شهداء,بمعنى أنها توازي بين الضحية والجلاد,وهناك أمثلة أخرى عديدة وهي ليست رؤية بريئة إذ إنها تأتي لتتساوق مع الحصار ومع المؤامرة من القضية الفلسطينية,كقضية عربية.‏

المؤسف أن يأتي ذلك كله,وملايين الفلسطينيين يعيشون في وضع كارثي لا يمكن قبوله, هناك مسؤولية عربية كبيرة,ومسؤولية الغرب كاملة لقبول هذه الكارثة حيث تمارس كافة أنواع التعذيب التي قد لا تخطر في بال بشر بكل سادية ووحشية.‏

-إن ما يزعج إسرائيل أن الإعلام عندما يقدم صوت المقاومة,فهذا معناه استراتيجية هامة توقظ الشعور بالتضامن مع المقاوم,والشعور بالانتماء إلى هذه الأعمال وهذا الشعور هو ما تريد ضربه?‏

-- إن حكومة الاحتلال ومن خلال لعبتها الإعلامية تحاول أن تصور أن ما تقوم به المقاومة الفلسطينية من دفاعها عن شعبها,أعمال إرهابية لامقاومة,إنها تريد أن تقتل ليس فقط أي روح مقاومة,بل حتى تريد أن تجعل كلماتها تندثر من خلال سيطرة مصطلحات إعلامية جديدة مفردات جديدة تروج لها.‏

إنها تقتل الشهيد الفلسطيني مرتين الأولى بالطلقة والثانية بالاعلام عندما تقول :إنه يستحق القتل أو أنه اجبرها على قتله.‏

أن يقتل الإنسان وان تزور الرواية الإسرائيلية لتقول إنه يستحق القتل,وأنهم مذنبون لأنهم اجبرونا على قتلهم,هذه الذهنية سمعناها من غولدا مائير ومناجيم بيغن ونسمعها الآن ,إنهم يروجون للمنطق ذاته.‏

-لم يحصل في أي صراع في العالم أن منحت وسائل إعلام أي طرف حقاً للعدو بالظهور بالتوازي مع الطرف الذي تنتمي إليه,وهناك أمثلة خلال حرب فيتنام وحرب أمريكا على ما تسميه الإرهاب,فما هذه (الديمقراطية) التي تعيشها بعض فضائياتنا العربية?‏

-- إن الاسرائيلين يدركون أنهم يخوضون من خلال الإعلام حرباً نفسية ربحوا أولى جولاتها بظهورهم على شاشاتنا, ففي الوقت الذي يقوم فيه الاحتلال الإسرائيلي بفظائعه,مذابح ,مجازر... يترافق ذلك مع حملات دعائية وإعلامية كبيرة يقوم بها,للتغطية على فظائعه بشكل يثبت روايته ويسوقها بحيث يبدو من خلالها أكثر براءة وابعد عن الوحشية,انه يمارس لعبة إعلامية خطيرة,وللأسف تفرد الفضائيات العربية مساحة له ليمارسها على شاشتها,إنها تسمح لهذا الافتراء الإسرائيلي بأن يظهر ,وتفتح المجال على مصراعيه لتسويق الأكاذيب الإسرائيلية وهم بارعون في ذلك.‏

أن يرى العالم حقيقة ما يفعلون أمر يزعجهم,لأن كل ما يروجون له قائم على الكذب والافتراء,ألم نرى كيف أعلنوا مقاطعتهم للجزيرة لأنها غطت مباشرة المجازر التي قامت بها إسرائيل أثناء حرب الخمسة أيام,التي استشهد فيها ما يقرب من (150)طفلاً وامرأة,فشن مسؤولو حكومة الاحتلال حملة ضد قناة الجزيرة لتغطيتها هذه الفظائع. واتهموها أنها منحازة,وأنها تهيج مشاعر الشارع العربي...هنا أسأل ألم تكن الجزيرة تنقل وعلى الهواء مباشرة ما يجري,هل المراسل يمكن له أن يزيف ما يحدث,بالطبع لا.‏

حكومة الاحتلال كانت تريد تزييف الوقائع أو أن تروى الوقائع من خلال وجهة نظرها,لتزيف الوقائع بما يتناسب معها على سبيل المثال يحاول الاحتلال أن يصور أعمال المقاومة على أنها أعمال ضخمة توازي حجم ردة الفعل الكبيرة التي يقوم بها من مجازر وقتل وحشي,وهذا نوع من تزوير الحقائق والواقع يقوم به الاحتلال للتغطية على أفعاله.‏

انه يصدر للعالم أن الفلسطينيين يخوضون حربا متكافئة من قبل جيش لجيش,حرب قصف وصواريخ,انه يهدف إلى أن يصور انه يخوض حربا متكافئة.‏

وللأسف تفتح له بعض الفضائيات العربية المجال ليروج لكذبه,ويروج لمصطلحات تتلقفها وتسوق لها وسائل الإعلام العربي(قناص فلسطيني,القناصة الفلسطينيون يقتلون أو يصيبون... أو قصف صاروخي...)وعادة هذه المصطلحات تأتي قبل خبر مجزرة.الدعاية الإعلامية الإسرائيلية هدفها المشاهد الغربي بالدرجة الأولى لكي تدخل في عقله أن هناك حربا ضارية تتعرض لها إسرائيل.‏

إن حكومة الاحتلال تولي اللعبة الإعلامية جانبا كبيرا وتحاول من خلالها قلب الصورة تماما لتجعل باطلها حقا,وحق الفلسطيني باطلا,ليس في الذهن العربي فقط,بل في الذهنية الغربية,وهو أمر علينا منعه على الأقل على المستوى العربي لا أن نساهم فيه بوسائل إعلامنا,فلا أدري ما هي العقلية التي يحملها أصحاب المحطات الذين يسمحون بظهور الرأي الإسرائيلي على محطاتهم وهو يقترف المجازر يوميا ويمنع شعبا بأكمله من أن يعيش ومع ذلك نأخذ رأيه على شاشتنا فأي ديمقراطية ننشدها.‏

-نسمع باستمرار عن انتهاكات بحق الصحفيين الفلسطينيين فهناك إغلاق إذاعات وتلفزيون ومصادرات كاميرات...كيف هو واقع معاناة الصحفي الفلسطيني?‏

--الصحفي الفلسطيني يذوق المعاناة والعذاب بكل أشكالها,ويخوض معركته الإعلامية,انه يتعرض للاعتقال والاستشهاد,قبل أسابيع رأينا كيف تم قصف الصحفي الفلسطيني فضل شناعة حيث قصفته الطائرات الإسرائيلية وهو يسير بسيارته التي تحمل لافتة الصحافة بشكل واضح وكان في مكان لا يدعو للبس,وقبله أطلقوا النار على صحفيين كثر,ووصل الأمر بهم إلى تعريض الصحفيين الأجانب إلى نيران إسرائيلية مقصودة استشهد على إثرها أكثر من صحفي أجنبي,وفي كل الأحوال تحاول إسرائيل أن تبث دعايتها تحت عنوان القتل عن طريق الخطأ,ولكن الأمر يأتي في سياق اغتيال نقل الحقيقة وهو يصدر رسالة للصحفي الأجنبي والعربي كي يبتعد عن المناطق التي يتم فيها نقل الحقيقة,وذلك في محاولة إسرائيلية دائمة للتغطية على أفعالهم الحقيقية وإبقاء الرواية الإسرائيلية الوحيدة المسيطرة على وسائل الإعلام العالمية حول ما يدور في الأراضي الفلسطينية المحتلة.‏

- الكاميرا والميكرفون في مواجهة الوحشية الإسرائيلية إلى أي درجة تشعر بالعجز في بعض اللحظات?‏

--غالبا ما يقلق الصحفي كيف يكون على مستوى الحدث?في معظم الأحيان تطغى فظاعة ما يحدث على ذهن ووعي الصحفي,بحيث يتساءل كيف سأتمكن من نقل هذه الوحشية التي لم نعشها حتى الآن مع أي صراع في التاريخ...‏

-إلى أي درجة يساهم المشهد الشعري الفلسطيني في الصورة النضالية هل يأتي وقت -وأنت شاعر- تعتبره ترفاً?‏

--الكتابة الشعرية ليست ترفا أو حالة كمالية,بل إن الشعر الفلسطيني أصل مدارك الوعي لدى الأجيال لما لصوتهم من قدرة ونفاذ,والشاعر الفلسطيني له دور في النضال والتحدي والفعل والتحريض على المقاومة.‏

الشاعر والكاتب الفلسطيني جندي في المعركة,محارب حقيقي في هذا الخندق العربي المتقدم وكان دور المثقف الفلسطيني في المقاومة وفي مواجهة الاحتلال كبيرا منذ البداية وحتى الآن,وكان له الفضل الكبير في الحفاظ على الهوية العربية الفلسطينية أمام كل محاولات إقصائها وأمام محاولات استهدافها من قبل الاحتلال الإسرائيلي الذي جاء إلى منطقتنا العربية وهو يحمل هم إقصاء ومحو هوية أصحاب الأرض الأصليين.‏

الشعر الفلسطيني حمل الهم العربي والهم الفلسطيني وظل خيطا قويا ومتماسكا بين أبناء الأمة العربية التي تستمع كلها لمحمود درويش وسميح القاسم...وليس صدفة أن تتعرض قوات الاحتلال للكتاب الفلسطينيين وتزج بهم في المعتقلات.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية