فقد بلغ عدد طلاب جامعة دمشق في العام الدراسي الحالي
ما يزيد على المائة وعشرين ألف طالب في التعليم النظامي, وفي كلية الآداب بلغ عدد الطلاب حوالي 44ألف طالب. و هناك حوالي 13 ألف طالب في كلية الحقوق, و 12 ألف طالب في كلية الاقتصاد, وثمانية آلاف طالب في كلية التربية.
وإذا كانت نسبة الأساتذة إلى الطلاب تتراوح في الكليات النظرية بين 245/1 في كلية الحقوق, و 159/1 في كلية الآداب , و 92/1 في كلية التربية وهي نسب غير مقبولة إذا ما قورنت بمثيلاتها في الكليات التطبيقية (19/1 في الطب البشري, و18/1 في الزراعة, و17/1 في الهندسة المدنية), فإن التدقيق بهذه النسب على مستوى الأقسام التي لها قبولها الخاص يعكس وضعاً أكثر صعوبة. فنسبة الأساتذة إلى الطلاب في قسم اللغة الإنجليزية تصل إلى 675/1.
إن للكثافة الطلابية الكبيرة في الكليات النظرية انعكاسات خطيرة على العملية التعليمية, منها الازدحام الكبير في المدرجات وقاعات المحاضرات, وعدم إمكانية اعتماد طرائق التدريس الحديثة التي تتمحور حول الطالب وليس المعلم والتي تتطلب مجموعات طلابية صغيرة, والتخلي التدريجي عن حلقات البحث على الرغم من أهميتها بسبب عدم إمكانية التعامل مع الأعداد الكبيرة لحلقات البحث وتدقيقها ومناقشة الطلاب فيها, واللجوء إلى طرائق اختبار لا تتناسب والمقرر المدروس والمحصلة التعليمية المرجوة منه, كاعتماد طرائق الاختبارات المؤتمتة في المقررات التي تفترض التعبير والإنشاء. وهذا كله ينعكس سلباً على مخرجات العملية التعليمية.
ومن الواضح أن تشعيب الطلاب إلى مجموعات طلابية صغيرة يسهل التعامل معها في الدروس النظرية والعملية والاختبارات, ويمكّن من تطبيق طرائق التدريس الحديثة فيها, يتطلب تحسيناً كبيراً في نسبة أعضاء الهيئة التدريسية للطلاب, وتوفير عدد إضافي كبير من القاعات التدريسية والمخابر في آن واحد.
ولمواجهة هذا التحدي الكبير تعمل جامعة دمشق في عدة اتجاهات. فمن جهة تسعى الجامعة إلى زيادة مساحة البنى التحتية فيها وتوفير بنى تحتية إضافية من مدرجات وقاعات محاضرات ومخابر عن طريق إنشاء مبان تعليمية إضافية. وهي حاليا تشهد أكبر عملية توسع في منشآتها منذ إنشائها. فهناك ما يزيد على 200 ألف متر مربع من المساحة الطابقية قيد الإنشاء, ويتوقع أن توضع في الخدمة تدريجيا خلال الأعوام القليلة القادمة, منها مبنى ضخم لكلية الآداب بمساحة طابقية تبلغ حوالي 40 ألف متر مربع.
ومن جهة أخرى تبذل الجامعة جهوداً حثيثة لتحسين نسبة الأساتذة إلى الطلاب في كلياتها ومعاهدها وفق ما نصت عليه الخطة الخمسية العاشرة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية في سورية والتي أكدت في الفصل التاسع عشر, وفي معرض تحقيق الهدف الثالث من أهداف التعليم العالي على ضرورة الحفاظ على نسبة أستاذ : طالب بحيث تكون بحدود 40/1 في الأقسام الأدبية و 20/1 في الأقسام العلمية. وجامعة دمشق بصدد تعيين ما يزيد على ثلاثمائة معيد جديد نجحوا في الإعلان الوزاري الأخير, إضافة إلى 568 معيد موفدين حاليا, و267 معيد قائمين على رأس عملهم بانتظار الإيفاد, الأمر الذي سيحسن بشكل ملحوظ نسبة أعضاء الهيئة التدريسية إلى الطلاب في العديد من الأقسام والكليات. ونحن ندرك أن إيفاد هذه الأعداد الكبيرة من المعيدين المعينين حديثا والمعيدين الذين لم يوفدوا بعد إلى الجامعات الأوروبية العريقة لتأهيلهم تأهيلا رفيعا يتطلب أعباءً مالية إضافية وزيادة ملحوظة في الميزانية المخصصة لإيفاد المعيدين خارجياً. لذا فجامعة دمشق مستعدة لتخصيص جزء من مواردها الذاتية لتأهيل معيديها لما لذلك من انعكاسات كبيرة على تطور الجامعة وتقدمها.
كذلك فإن عملية التوسع الأفقي التي بدأتها الجامعة بافتتاح فروع لها في المحافظات الجنوبية (درعا والسويداء) بتوجيه من قيادتنا السياسية سيكون لها أثر ملحوظ على المدى المتوسط في تخفيف الضغط الطلابي على الفرع الرئيسي في دمشق.
ولكن, وبانتظار دخول الأبنية الجديدة في الخدمة وتوفر القدرات البشرية الإضافية نتيجة تأهيل المعيدين, لابد من اتخاذ قرارات جريئة لمعالجة الوضع الصعب القائم حاليا في بعض الأقسام والكليات وضبط جودة العملية التعليمية فيها. فكليات الاقتصاد والحقوق والتربية والشريعة وبعض أقسام كلية الآداب (وخاصة قسمي اللغة الإنكليزية والعربية) لم تعد قادرة على استيعاب مزيد من الطلاب دون توفير قاعات تدريسية إضافية وأعداد إضافية من الأساتذة. وإن استيعاب أية أعداد إضافية أخرى سيكون له انعكاسات خطيرة على العملية التعليمية.
لذا لابد من تنفيذ ما نصت علية الخطة الخمسية العاشرة في سياق تحقيق الهدف الأول من أهداف التعليم العالي أي (التعليم العالي في خدمة المجتمع والاقتصاد الوطني) من: (تصميم وتنفيذ سياسات قبول وخطة مرحلية تعمل على زيادة أعداد الطلبة في كليات وأقسام إدارة الأعمال وتكنولوجيا المعلومات بمعدل (9 %), وفي كليات العلوم والهندسة والتكنولوجيا والطب بمعدل (25 %) وفي التربية (8 %) مع التقليل من معدلات القبول في الإنسانيات والعلوم الاجتماعية بمعدل (8 %)).
وهنا تجدر الإشارة إلى أن زيادة القبول في أقسام إدارة الأعمال وكلية التربية وفق ما نصت علية الخطة الخمسية العاشرة قد تحقق في جامعة دمشق بافتتاح كليتي تربية إضافيتين في محافظتي درعا والسويداء, وكلية اقتصاد إضافية في محافظة درعا. وأصبح لزاما علينا تخفيض أعداد المقبولين في كليات العلوم الإنسانية وفق ما نصت عليه الخطة أيضاً, ليس فقط من منطلق تعذر القدرة على استيعاب مزيد من الطلاب وضرورة ضبط جودة العملية التعليمية, وإنما أيضاً تنفيذاً لمتطلبات خطة التنمية واحتياجات سوق العمل.
وريثما يتسنى لنا تحقيق ذلك, تحاول الجامعة التعامل مع الواقع الراهن للخروج بأفضل نتائج ممكنة. فقد نظمت الجامعة في هذا السياق عدداً من الندوات العلمية وورشات العمل والدورات التأهيلية استضافت خبراء من جامعات عالمية لها باع في هذا المجال, لتبادل الخبرات حول أفضل الممارسات والمنهجيات المتبعة عالمياً والتي يمكن لنا اعتمادها للتعامل مع المجموعات الطلابية الكبيرة بعيداً عن التعليم التقليدي الذي لم يعد يفي بحاجات المتعلم أو يرضي طموح الأستاذ. إن مثل هذه الندوات تهدف إلى نشر الوعي بأهمية وإمكانية إيجاد حلول بديلة للتعامل مع الاكتظاظ الطلابي, كاستبدال التعليم النظري التقليدي بأسلوب أكثر حداثة يخلق ظروف تعلّم مناسبة في المجموعات الطلابية الكبيرة , تأخذ بالحسبان تعددية الطلاب وتحثّهم على التواصل والتفاعل ضمن مجموعات عمل, وتوّلد لدى المتعلم نوعاً من الاستقلالية في العمل والاكتساب المعرفي.
إن جامعة دمشق جادة في المضي في طريق الإصلاح والتطوير, وهي تعمل على كافة الأصعدة لتحسين بيئتها التعليمية وضمان جودتها. لكن الجهود مهما عظم شأنها لا يمكن أن تثمر ما لم تعمل بتناغم وانسجام, وما لم تتكاتف كل الأيدي المخلصة المؤمنة بدور الجامعة في تقدم الوطن.