ذلك أن معطيات التحريكات الدولية المتسارعة لأعداء هذه الأمة تفتح باب عودة الحروب سواء أكانت الحروب الباردة التي تتحول فجأة إلى حروب ساخنة أم الحروب الفجائية بمختلف الأحجام والتي تتحضر لها إسرائيل بدعم ومساندة أميركية في السر والعلن لأهداف مشتركة باتت معروفة للقاصي والداني.
ولن نكون متشائمين إذا اعترفنا أننا كأمة عربية ما زلنا نسير على الخطوات لا تطمئن لاستيعاب المخاطر القائمة والقادمة علينا, رغم أن قمة دمشق وفرت السبل الكفيلة كي ينطلق العرب من خلالها لبناء استراتيجية دفاعية لتحصين الذات العربية وتقوية أجهزة منعتها, ورغم أن رئاسة القمة المتمثلة في سورية أكدت استعدادها للسير قدماً نحو ذلك, وهي تفتح أبوابها مشرعة كي تلثم جراحها وتتعالى فوق الأحقاد وتطفئ الفتن , وهذا لا يستوجب التريث بالطبع أو التماهي أو التجافي عما هو مطلوب عربياً, ذلك لأن الطعنات التي يحضر ها أعداء الأمة لن تستثني أحداً, ولن تعفي أحداً من حجم وجسامة المسؤولية التي تستوجب من الجميع التسابق لحملها بأمانة والدفاع عنها بشجاعة.
إن تداعيات المرحلة القادمة على أمتنا قائمة في ظل قرب رحيل الرئيس الأميركي جورج بوش ومراوحة التحليلات والتوقعات بين حدوث فراغ في المنطقة من الآن وحتى نهاية العام الحالي في ظل انهماك اللوبي الصهيوني وما تبقى من المحافظين الجدد في إدارة الرئيس بوش للتعامل مع إيران عسكرياً ومع أطراف المقاومة العربية للمشروع الأمروصهيوني ولا سيما ضد سورية وحزب الله, هي عواصف دون شك لا تزال عاتية, وهي في حالة جاهزية لكي تهب وبسرعة جنونية كي تنال من المنطقة العربية برمتها, وفي وقت لا يزال المشهد في العراق مؤلماً ويزداد بشاعة وانحداراً لرسم صورة المستقبل الأسود له, وفي وضع ما زال فيه الأشقاء الفلسطينيون على مختلف مواقعهم يجرون مفاوضات أشبه بالعبثية, التي يحاول الكيان الصهيوني تفريغها من أي محتوى إيجابي للقضية الفلسطينية, والحال ليس أحسن على الساحة اللبنانية من التي تشهد تعقيداً للأزمة بفعل التداخلات الخارجية, ولا سيما منها السفارة الأميركية في عوكر والتي تجهر بما تحيكه من مؤامرات وما تؤويه من مرتزقة كي ينفذوا مخططات التفجير هنا وهناك كي يزداد الأمن في لبنان انهياراً وتعم الفوضى فيه ليسهل الانقضاض على سلاح المقاومة, وبالتالي عودة لبنان إلى ساحة خطر على نفسه وعلى أشقائه.
إنها صورة مؤلمة ومحزنة بالطبع, ومن خلال هذه الصورة البانورامية الواضحة بمقدار ما توحي باليأس للبعض ممن يروجون لعجز العرب عن قدرتهم في مواجهة القائم والقادم إليهم, هي صورة إيجابية على الطرف الآخر كي تدق نواقيس الخطر من أجل الحث على تلبية نداء الواجب والمسارعة لنزع فتيل الصواعق في مهدها.
إن الفاشية الإسرائيلية الجديدة التي تتوالى فصولها حيال الشعب الفلسطيني, هي بطبيعة الحال صورة مصغرة عن ماكينة الصهاينة وأعوانهم وحلفائهم لهذه الأمة, كما أن المحرقة التي تعرض لها شعب غزة الصامد ليست سوى تجربة صغيرة للصهاينة لتنفيذ محرقتهم الكبرى بحق هذه الأمة وهم بذلك يلتقون في الهدف والأسلوب مع كل الذين يقفون مع تلك الوحشية الهمجية الإسرائيلية سواء أكانت وقفة عسكرية أم وقفة سياسية أم مجرد وقفة صمت, ولعل ما نسمعه اليوم وما يردده الإعلام الغربي والأميركي والإسرائيلي من عشرات التقارير والتحليلات عن احتمال التفجير في المنطقة عسكرياً باتجاه سورية وإيران وحزب الله ما هو إلا في خضم تلك الاستعدادات النفسية والعسكرية وتهيئة الرأي العام العالمي لما هو قادم بحق هذه الأمة ومشروعها المقاوم.