مقتنعاً بأن الوعود الإلهية والرسالة التبشيرية التي كلف بها لم ولن تكون أكثر من خيال الفارس الإسباني في رواية دون كيشوت.
ورغم الخروج المتأخر فإنه مازال مصراً على نجاحاته الوهمية وكي يثبت للعالم أنه مازال قادراً على قهر وتشريد الآمنين, نجده مرة يضرب مدرسة في الباكستان, وتارة منزلاً قيد الإنشاء في قرية سورية نائية ولسان حاله يقول: (إلا الحماقة أعيت من يداويها).
في هذه الأثناء ورغم المكابرة والتراجع المبطن أحياناً ومع استمرار الأزمة المالية العالمية التي تسببت بها الإدارة الأمريكية, ومع الكم الهائل من التحليلات والاستطلاعات والتقارير التي تشير إلى فقدان الولايات المتحدة الأمريكية, موقعها القيادي العالمي وخصوصاً في الاقتصاد, نجد بوش الغارق هو وفريقه كمن يبحث عن يد للإنقاذ, ولا ضير إن حصل الطوفان الأكبر, أن يركبوا سفينة نوح المعاصرة ولوعلى ذيل الحمار , إسوة بإبليس في حكايته التاريخية.
وعلى وقع النتائج الكارثية فقد تداعت إدارة بوش إلى قمة عالمية في 15 تشرين الثاني القادم, إلا أن هذه الدعوة كانت بمثابة جدول أعمال عادي في أجندات كبار العالم, فكانت قرارات العديد منهم استباق القمة والتصرف من منطق القوى الفاعلة, فكانت اللقاءات الأوروبية ثم الآسيوية, ثم الآسيوية الأوروبية, وبعدها الصينية - الروسية- الهندية وغيرها.
وشكلت قمة بكين (الآسيوية - الأوروبية)ا بحضور أكثر من 40 من قادة تلك الدول ومحطة استثنائية في ميدان المعالجات الدولية للأزمة الراهنة.
إلا أن اللافت هو ماسبق القمة من إعلان روسي على لسان رئيس الحكومة فلاديمير بوتين, بأن روسيا والصين والبرازيل والهند, تشكل قاطرة الاقتصاد العالمي إشارة إلى الدور الراهن والمستقبلي مذكراً بحجم النمو للناتج المحلي لتلك البلدان ما بين 10-5% لهذه السنة وللأشهر القادمة.
والأمر الآخر الذي ظهر بعد القمة, حيث كانت المباحثات الروسية - الصينية في موسكو, 28-29 تشرين أول الجاري, وما تم الاتفاق عليه بتوقيع عقود لتصدير النفط من روسيا إلى الصين لمدة 15 عاماً والاتفاق على تحديد سعر النفط, كذلك المشاركة في بناء المفاعل النووي الصيني )بي-إن- 800(.
والاطلاع على آخر المستجدات في مجال التبادل التجاري والتي يراد لها أن تنتقل من مرتبة ال 50 مليار دولار- إلى المئات.
هذه الأجواء تأتي لتثبت توجهات القيادة الروسية والصينية في دفع قاطرة الاقتصاد العالمي وتوفير الوقود اللازم لمسيرها, في الوقت الذي تتعثر فيه القاطرة الأمريكية, بل تكاد تدخل محطة الصيانة لسنوات طويلة إذا ما قدر لها العودة إلى السكة المتعددة المسارات.
صحيح أن بيان القمة الأوروبية - الآسيوية في بكين أقر الحاجة لإصلاح النظام الاقتصادي العالمي, إلا أنه في الوقت ذاته نقل ملفات المقترحات والشروط المطلوبة لهذا الإصلاح إلى قمة بوش الحزينة, حيث سيكون هناك في موقف لا يحسد عليه, وعندها ما يمكنه فعله هو الإصغاء إلى مطالب وخطط الكبار, والاعتراف بهم قبل مغادرته الإدارة العالمية.
وإلى أن يحين موعد القمة الاستثنائية فإن الأنظار تتجه إلى الصين, باعتبارها المنقذ الأجدر, تدفعها القاطرة الروسية - الهندية- البرازيلية والتبريرات المقنعة لذلك, هو امتلاك الصين أكبر حجم احتياطات من العملة الصعبة تتجاوز 2 تريليون دولار, ومعدلات النمو الكبيرة التي تحققها إضافة إلى حجم الناتج المحلي الهائل والقدرة التنافسية في الأسواق العالمية, إضافة إلى تنسيق مواقفها وخطواتها مع كل من روسيا وإيران ودول أمريكا اللاتينية والشرق أوسطية, وما يشاع عن استعداد بل توجه الرأسمال اليهودي والغربي إلى هناك كبديل احتياطي عن السوق الأمريكية التي يقدر لها أن تدخل في حالة المرض الخطير.
أما السؤال المطروح: هل تقوم الصين بإصدار شيكات على بياض للدول الغربية وتقوم بصناعة سفينة نوح المعاصرة لإنقاذ الاقتصاد العالمي?.
والإجابة على هذا السؤال, تجعل من المنطقي القول إنها لن تفعل ذلك ببساطة, وهي لم تشر إلى ذلك عندما أجلت اتخاذ قرارات بشأن حلول للأزمة الراهنة في قمة بكين الآسيوية - الأوروبية مفضلة انتظار 15 تشرين الثاني وقمة واشنطن حيث )التلذذ في عقر الدار(.
والتقديرات الاستباقية لما يمكن أن تفعله الصين تشير إلى رغبة الإدارة الأمريكية بطلب قرض من الصين بقيمة 500 مليار دولار أو أكثر للحكومة الأمريكية لإنقاذ نظامها المالي, وشراء الديون الحكومية الأمريكية , الأمر الذي ستضع له بكين شروطاً أساسية أهمها ألا تفعل ذلك بمفردها, بل بمشاركة حلفائها (روسيا - الهند - البرازيل ) أهم الاقتصادات الصاعدة حالياً.
وعدم وضع قيود أمريكية على شرائها وشركائها لأصول شركات أمريكية, إضافة إلى العديد من الشروط السياسية, أهمها ما يتعلق بصفقة السلاح الأمريكي لتايوان ومثيل ذلك ما يخص روسيا وما تفعله الإدارة الأمريكية من فرض قيود على شركاتها وخاصة في مجال التسليح.
وأمام الحاجة الماسة للإدارة الأمريكية لإيجاد حلول ولو إسعافية فإنه يقدر لقمة واشنطن القادمة أن تشكل الانطلاقة الفعلية لعالم ما بعد القطب الأحادي, وإيذاناً بالنظام المالي العالمي الجديد والاقتصادي والسياسي في آن واحد, وكل ذلك تحت شعار تعدد الأقطاب والشراكة الفاعلة ولا ضير إن حصل ذلك بمساعدة )سفينة نوح الصينية(.