|
|
اعترافات جندي لم تجرؤ أميركا على نشرها لونوفيل أوبزرفاتور ومن ثم مقاتلاً في الحرب على العراق, لماذا كان يقتل ومن ثم حكاية انهياره. جيمي ماسي مواطن من ولاية تكساس يبلغ من العمر 34 عاماً تلقى علومه الدينية المعمدانية السائدة في الجنوب الأميركي, كان يعشق مطاردة واصطياد السناجب ببندقية الضغط, وبعد خدمة استمرت 12 عاماً في صفوف قوات المارينز الأميركية, تحول جيمي إلى رجل محطم, منهار, مصاب بعوارض أزمات نفسية شديدة, ومدمن على تناول الأدوية, يلازمه شريط صور كابوسية, يمر فيه صور قتل مدنيين أبرياء, مشاهد عاشها في العراق حينما لم يكن أكثر من آلة للقتل. وبعد فترة تلقى بها علاجاً بالأدوية, قام جيمي بتأليف كتاب جريء جداً وصريح للغاية, يحكي فيه قصة جندي من المارينز (كيف يتكلم هذا الجندي الآن, وكيف يفكر وكيف يقتل), وإثر ذلك, الجيش من جهته أنكر الوقائع التي وردت في الكتاب, بينما وبخه أصدقاؤه القدامى وابتعدوا عنه, حتى إنهم هددوه. في شهادته تلك يحرج المحافظين الجدد, ولم تتجرأ أي دار نشر في بلاد العم سام على نشر كتابه, وهنا نقتطف منه مقطعاً يتحدث فيه عن أحد الأيام العصيبة التي شهدها في بغداد, ولكن في مستهل حديثه عن بدايته مجنداً يقول جيمي إنه يتعين على الجندي الأميركي تعلم كل شيء بسرعة, وقد تعلم أن الجندي ومن أجل المحافظة على مهمته القذرة غير مسموح له أن يكون لديه أي رادع أو وازع). (.. أهذه هي, التي حكوا عنها قضية إحلال السلام? قلت ذلك في صوت مشمئز, يا عزيزي, إن واصلت خلق الاضطرابات, فستنتهي إلى محاكمتك مجرم حرب). وصلنا إلى منطقة الرشيد في يوم غائم عاتم, وحينما توقفنا, رأيت عراقيين, طولهما حسب تقديري 150 ويبلغان نحو الأربعين من العمر, نظيفي الجسم يرتديان الثياب التقليدية العراقية, بيضاء اللون يمشيان على الطريق ويلوحان براية, مطلقين شعارات منددة بأميركا, وحينها سمعت طلقة مرت تماماً من فوق رؤوسنا من اليمين إلى الشمال, ركضت إلى وسط الطريق لأرى ما يجري, وما إن انضممت إلى اسشوكز حتى صوبت بندقيتي على المتظاهرين, وهذا كله لم يستغرق معي أكثر من ثوان معدودة, تحققت جيداً من تعزيزاتي, وهيأت عدتي في استهداف مركز الوسط في تجمع بشري متراص من المتظاهرين, أخذت نفساً عميقاً, وعند الزفير, فتحت برفق عيني اليمين, وأطلقت الرصاص, فتحت عينيّ ونظرت إلى الطلقات التي أصابت متظاهراً في صدره.. وعلى الفور سددت على هدف جديد, متظاهر آخر, يزحف على أربعته, محاولاً الهرب بسرعة, سددت نحو رأسه وتنفست بعمق, وزفرت وأطلقت النار من جديد, على الرأس ..بم! رأس آخر.. بم! وسط جموع متظاهرة .. بم! جموع أخرى.. بم, واستمررت على تلك الحالة حتى هدأت المنطقة ولم يعد ثمة من يتحرك لدى المتظاهرين.. وكان لا يزال معي اثنتا عشرة رصاصة, جميعها لم يستغرق معي إطلاقها أكثر من دقيقتين, وكنت أعرف أننا نطلق على المتظاهرين النار في ظهورهم, وبعض منهم كان يزحف وثيابه مضرخة بالدم, كنا نملك قذائف (5.56) للبارودة 16-M, وهي تعتبر من القذائف الشريرة, فهي على سبيل المثال, يمكنها أن تدخل من الصدر, وتخرج من الركبة, وتمزق في طريقها كافة الأعضاء الداخلية, كانت صرخاتي وتحذيراتي في كل الاتجاهات بينما كان زملائي يربتون على ظهور بعضهم بعضاً, ويتفوهون بكلمات نابية, ولكنهم غضبوا لأن بعض المتظاهرين نجح في الهروب, ووددت مواصلة إطلاق النار, ولم أتوقف عن الترديد (يا إلهي علي أن اصطاد آخرين), كان ذلك مثل أكل أول ملعقة من صحن البوظة المفضل لديك. كان أولئك المتظاهرين من العراقيين أول من أقتلهم, الأمر الذي خلق لدي أثراً سيئاً, لقد بات الخوف هو المحرك الأساسي عندنا, إنه الدافع القوي لقد وقع تأثيره عليّ أكثر مما أوقعه تأثير الحشيشة التي كنت أدخنها, كان ذلك كما لو أن جميع أولئك الذين كرهتهم في حياتي, وكل الغضب الذي تراكم في داخلي, انبعث في لحظة واحدة في هذا الكائن الموجود الآن, كان ثمة انطباع بامتصاص الحياة, مثل أكل لحوم البشر, في القتل كان يشعر الأميركي بالرضا عن نفسه, والشعور بالقوة, وكل ذلك شيء يصبح واضحاً. كنا نصل إلى مرحلة النيرفانا مثل فضاء براق ساط, ولكن وخلال بضع ساعات كنا نهبط من علياء النيرفانا ونغوص في مياه مكدرة, ونسبح في بركة من الوحل, والطريقة الوحيدة للعودة إلى النيرفانا هو (القتل) ثانية. ولدى انطلاقنا في العودة, عند مغيب الشمس سمعنا صوت إطلاق نار, نحو مئة طلقة, فتحت زميلتي ليما النار على سيارة, علمت فيما بعد أنه كان في داخلها ثلاث نسوة وطفل, وعلمت أنه لم يفتح أي بحث.. بعد ثلاثة أرباع الساعة, اقتربت من موقعنا سيارة نوع (كيا سبكترا) حمراء اللون, تسير بسرعة 60 كم/سا, واجتازت خط المنطقة الخضراء, أحد جنود المارينز أطلق طلقة إنذار, وفي الحال انهالت الرصاصات على محرك السيارة, بيد أن أضرارها لم تمنع السيارة من مواصلة سيرها باتجاه المنطقة الخضراء, حينها أخذت السيارات المتمركزة في الخلف تسدد رصاصاتها عليها, بينما شددنا نحن على بنادقنا (أم-16) مسددين نحو السيارة, وأطلقنا 200 طلقة في جميع الاتجاهات, وتوقفت السيارة مصدرة صوتاً (تمشيط) على بعد /25/ م من سيارتي الهامر, وعلى الفور هجم زملائي على السيارة وباشروا في سحب العراقيين الأربعة الجرحى منها.. كانوا شباناً يرتدون ثياباً أنيقة, وتركوهم ينزفون الدم, ريثما أتت النقالات وحملتهم, واقترب الشخص الذي لا يزال حياً نحوي, يقول وهو يئن عبارات معذبة, وهو ينظر إلى السماء, ويداه مرفوعتان: (لماذا قتلتم أخي? لم يعملوا لكم شيئاً, نحن لسنا إرهابيين). ابتعدت دون أن أقول له شيئاً, وذهبت لأجلس في سيارتي, أتابع جنود المارينز, والنقالون ينقلون ركاب السيارة, سألت (لماذا تأخذونهم? أجابني: أيها الرقيب لقد قالوا لنا إنه لم يمكنهم فعل شيء لهم).. نظرت إلى العراقيين, أكبت بصعوبة غضبي, كانوا ينتفضون يئنون, ويحتضرون ببطء, لم استطع أن أتكلم, ذهبت لأرى ما بداخل السيارة, بالطبع لم يكن هناك سلاح ولا متفجرات, لتشمئز نفسي أكثر فأكثر. وجاء الضابط شميت نحوي, وسألني بهدوء هل أنت على ما يرام أيها الرقيب? لا أيها القائد, لست على ما يرام. لماذا? وأجبت من دون تردد إنه يوم سيىء لقد قتلنا الكثير من الأبرياء المدنيين, أجاب بصوت آمر, لا إنه يوم جيد, وقبل أن يتيح لي الإجابة, ابتعد بخطى واثقة. والآن لم يعد يخدم جيمي في صفوف المارينز, ويعيش في قرية صغيرة في ولاية كارولينا الشمالية, مكرساً جل وقته لجولات يناهض فيها التجنيد في المدارس, ويناضل في منظمة تناهض الحرب, أسسها مع خمسة من زملائه أطلقوا عليها اسم (محاربون ضد الحرب).
|
||||||||||||||||||||||||||||
