وهذا الخداع بحد ذاته يشكل وصمةفي أخلاقيات التعامل بين الدول والشعوب. ولكن الخطر الأكبر في هذه الممارسات يكمن في خداع الذات عندما نصدق تلك الأساليب من التضليل والخداع بالتعامي عن رؤية الحقائق تارة وباللهاث المحموم وراء أوهام الخداع المرسوم والتآمر المسموم على الجميع تارة أخرى, فالمطلوب تفكيك الأنظمة وصولاً إلى تفتيت الشعوب تحت شعارات ومزاعم لا تمت إلى الحقيقة بأية صلة.
ولعله من الغريب والمريب أن تتوالى فصول المسرحية المخادعة بنفس الإيقاع والأسلوب دون أن يقف أحد أو يتوقف عند هذه الآلية التي تبدأ بفتات الوعود إلى الشعوب لإحداث الشروخ في بنيانها الداخلي وعلاقاتها التنظيمية, في حين يعرف الجميع مدى فقدان المصداقية لهذه الوعود في جميع الاتجاهات وعلى جميع المستويات.
فهل صدقت قوى التضليل والخداع مع الاستجابات المفتوحة للسلطة الفلسطينية?! وهل تحقق قيام الدولة الفلسطينية الموعودة في عام 2005? وها هو زعيم الوعود والوعيد يعترف باستحالة ذلك خلال فترة رئاسته الثانية التي تتجاوز الموعد بسنوات.
وها هو رجل سلامه الأوحد( شارون )يشير إلى استحالة السلام مع الجيل الحالي من الفلسطينيين. فهل يعني ذلك إبادة هذا الجيل أو الانتظار أجيالاً وأجيالاً لحلول لن تأتي مطلقاً.
إن العمل يجري على قدم وساق, وتتوالى الضغوط المتصاعدة لإحداث الشروخ وتعميقها بين السلطة الفلسطينية وبين قواعد الشعب الفلسطيني وجماهيره المقاومة. فماذا يعني كل هذا? وهل تستمر مسيرة شعب بدون سلطة تنظم آلية تلك المسيرة?! وهل لأية سلطة من وجود أو معنى إذا كانت جماهير السلطة غائبة أو مغيبة أو محاصرة بمواقف الشك والصراع بين السلطة وجماهيرها?!
وهل تحرر شعب العراق وتحققت وحدته واستقرت أوضاعه واكتملت سيادته وفق إعلانات الخداع التي ما زالت تروج وبكل صفاقة لمثل تلك الحرية الموهوبة والنقلة الحضارية النوعية التي بشّروا بها وضللوا العالم بشعاراتها الزائفة?!
لقد اغتيل العراق ودمر, وسلبت مقومات تاريخه وحضارته وثقافته واقتصاده وقتل علماؤه وجهلاؤه على حد سواء.
ولم تتردد دوائر التضليل والخداع والعدوان في إعلان رغبتها وفرض تلك الرغبة على الواقع العراقي تفريقاً وتمزيقاً لا يبقي للعراق كياناً ولا يبقي للعراقيين مكاناً في دائرة الفعل والفاعلية.
إن المطلوب على الساحة اللبنانية لا يختلف كثيراً عما هو مطلوب على بقية الساحات العربية من حيث سيادة الفوضى الهدامة لما هو قائم, الخلاقة لما هو مطلوب من بدائل تساعد على تمرير المخططات المرسومة للمنطقة بدماء جميع أبنائها وليس بدم الرئىس الحريري فقط.
إن إسقاط المواقع والمواقف هنا وهناك ما هو إلا مقدمة للدخول في الصراعات والخلاف والاختلاف الذي يستوجب تدخلاً دولياً أو تدويلاً تدخلياً في شؤون البلدان التي لا تنحني للاملاءات والشروط الخارجية الهادفة إلى فرض الوصاية واقتلاع جذور الانتماء ومصادرة حقوق الوطن والمواطن في السيادة التي يعمل المخدوعون على رهنها لقوى الهيمنة وصولاً إلى الارتماء في الحضن الصهيوني الذي تشكل الحالة الدولية الراهنة حاضنة وراعية له داعمة لمخططاته في المنطقة. ولم يعد ذلك خافياً من خلال تقريري( ميليس ولارسن) المقررين على ما يبدو قبل جميع الأحداث بما فيها اغتيال الرئيس الحريري.
فالمطلوب نقل المواجهة مع العدو الصهيوني إلى الجبهة السورية وتفكيك وحدة المصير والمسارين, وضرب العلاقة والاستثنائية بين أبناء الشعب الواحد في البلدين الشقيقين والتي استعصت على جميع المحاولات السابقة في تحويل لبنان إلى منصة إطلاق على سورية شعباً ودوراً ونظاماً, ويبلغ الخداع والتضليل ذروته القصوى من خلال التداعيات المبرمجة والمرسومة لاغتيال سورية إدارة وموقفاً وموقعاً ونهجاً وقضية, لإسقاط بقايا الدور التاريخي والحضاري للأمة العربية ونسف مقومات وجودها واستمرارها.
ويتكرر نفس/ السيناريو/ بالادعاء في استهداف النظام وتتسابق أبواق المخدوعين والمضللين لتصديق هذه المقولات التي رأوا بأم أعينهم كذبها واكتشفوا بأنفسهم زيفها من فلسطين إلى العراق إلى لبنان وصولاً إلى سورية آخر خطوط الدفاع والممانعة عن الأمة والهوية.
فأي نظام يستهدفون?! وعن أي حقيقة يبحثون?! وأي دم يحترمون?!
إن دم الرئيس الحريري هو امتداد للدم الفلسطيني والعراقي والعربي عامة, وعبر مساحة النزيف القائم والقادم ولن يشكل في نهاية الأمر ومن وجهة نظر المخادعين والسائرين في فلكهم سوى معبر إلى الأهداف التي تسعى إلى استباحة الشعوب قبل الأنظمة.
وبالرغم من غشاوات العيون وعمى الأفئدة وارتهان النفوس الحاقدة فإن الحقيقة تتجاوز بوضوحها جميع أشكال العمى والتعامي وتفتح جميع الأبواب على حجم الجريمة المؤامرة التي تتابع فصولها على القنوات المأجورة والمسعورة, والمواقف المسبقة الإعداد في مطابخ التدويل الأميركية المتصهينة التي ترى في الموقف السوري أول الأعداء وآخر الجبهات على ساحة الصراع مع الأحلام والأطماع الصهيونية العدوانية على الأمة العربية بأسرها.
فالهدف أصبح واضحاً ومكشوفاً والمطلوب إخراج سورية من عروبة مواقفها, وإخراج العروبة من سورية والتسليم لإرادة الهيمنة ووأد ثقافة المقاومة شريعة ومشروعاً, وقد بدا ذلك جلياً من خلال الضغط الأميركي المحموم لاستصدار القرار 1636 عن مجلس الأمن بحق سورية بناء على تقرير ميليس الذي مازال في طور البحث عن جريمة مغيبة وراء المقاصد والأهداف باعتراف ميليس والمجتمع الدولي بأجمعه.
إن المراهنين على اختراق وحدة الموقف السوري هم واهمون بكل تأكيد, فليس في سورية نظام خارج الشعب ولا شعب خارج على النظام فالشعب ونظامه واحد في مواجهة الاستحقاقات وتجاوز جميع العثرات التي لا يخلو منها وطن أو شعب في هذا العالم.
لقد تورط النظام الاميركي في اغتيال افغانستان والعراق وتضليل العالم بأسره وصولاً إلى تلك الجريمة الانسانية الكبرى, وتورط وزير دفاعه ديك تشيني بارتكابات جرائمية موثقة في غوانتانامو وأبو غريب ولا حساب ولا عقاب. فهل بقي للمخدوعين والمضللين من عذر في ارتكاباتهم المجرمة بحق الانسان والأوطان في هذه الأمة المحاصرة بالخداع والتضليل?!
عضو اتحاد الكتاب العرب