|
|
محاضرة..الأبراج وعلم الفلك علوم ومجتمع فعلم الفلك هو دراسة طبيعة وحركات النجوم والكواكب والكون عموماً ويعتبر الفلكيون أن النجامة ليست علماً وأنها غير منطقية وهي نتاجات اهتمام الإنسان القديم بالنجوم ولا يزال الكثيرون ممن يمارسونها ويعتقدون بها. -لماذا اكتسبت النجامة مثل هذا التأثير في تاريخ الإنسان?. - وكيف نشأ وتطور موروثها? وما الطالع? تساؤلات عديدة أجاب عنها المهندس موسى الخوري في محاضرته(الأبراج وعلم الفلك). ظهور النجامة رصد الإنسان البدائي النجوم عبر عصور واستطاع مع مرور الزمن ملاحظة ثبات مواقعها النسبية مع وجود توافقات دورية بين ظهوراتها والتغيرات الفصلية على الأرض. ومع تطور مدنيته ومعتقداته بدأت تتشكل في السماء إسقاطات إنسانية تمثلت في تجمعات مميزة من النجوم, واعتقد أنها تمثل القوى التي تحكم الطبيعة, وأن لها تأثيراً مباشراً على حياة الشعوب واعتمد عليها للتنبؤ بمصير البشر وتحديد الصفات الفردية لكل منهم بدراسة التأثيرات النجمية . ما الطالع? يقول الباحث إن الطالع النجامي هو أساس كل نجمة وهو يصف التشكيلات السماوية لحظة ولادة فرد ما, ويحدد هذا التشكيل بوضعيات نوعين من النجوم على القبة السماوية, وهي الثابتة(النجوم) والمتحركة(الكواكب). فالدائرة البروجية تقسم إلى 12 جزءاً, كل منها محدد ببرج بحيث تقسم كل منطقة إلى ثلاثة أجزاء فعند ولادة فرد ما تحدد الشمس بشروقها في إحدى هذه المناطق الأثنى عشرة الرمز البروجي للفرد. فالطالع يتعلق بساعة الولادة تماماً. فالرمز البروجي يشتمل على نقطة الطالع في الدائرة البروجية أي النجم الذي يشرق لحظة الولادة وموضع الشمس والقمر والكواكب الثمانية بالنسبة لدائرة البروج. وتؤخذ بعين الاعتبار مواضع (المنازل) أيضاً, فالمنازل تقسم العتبة السماوية إلى 12 قطاعاً بأبعاد زاوية مختلفة بحسب الدوائر الكبرى المارة بالقطب الشمالي, ومع ذلك تطرح منظومة الإسناد هذه الإشكالية التالية: فبالنسبة للذين يولدون قرب القطب الشمالي في شهور معينة لا تظهر فيها الكواكب هناك لا يكون لهم طالع فلكي والطالع بذاته وصفي بحت.. وبالتالي يجب أن نميزه بوضوح عن التغيرات التي ترافقه في النجامة. فهذا التفسير يتعلق من جهة بالنمطية النفسانية- عندما تعتبر أن مواضع الكواكب والشمس والقمر التي يعطيها الطالع تحدد بشخصية الفرد ومن جهة ثانية بالتنبؤ حيث تعتبر حركة النجوم محددة لمصير الفرد. الاعتقاد بالنجامة ويشير الباحث إلى أن الكثير من المنجمين حاولوا الاعتماد على دراسة الشخصيات التاريخية مع تحديد مواقع الكواكب والنجوم في موعد ولادة أحد هؤلاء المشاهير لإثبات صحة النجامة. مثال على ذلك شخصية نابليون الذي يكشف وجود زحل عند ولادته وصعوده السريع إلى السلطة والذي كان ليشير أيضاً إلى سقوطه السريع والحاد, يضيف وجود القمر شكلاً مأساوياً لنهايته ويشير وجود المريخ إلى نجاحات عسكرية. وهذا العرض يوافق التشكيلات النجمية عند ولادة نابليون ومراحل حياته. ولكن كم من الآلاف ولدوا في وقت ولادته وكان مصيرهم مختلفاً تماماً عن مصيره?.. ويضيف:إن الرد العلمي على الذين يعتقدون بالنجامة سهل ولكن هل يكفي ذلك لإقناعهم بالتراجع عنها. ويشير إلى عدد من الاحصاءات التي أظهرت اهتمام الناس بالنجامة والذي يزداد كل عام ففي فرنسا عام 1982 كانت النسبة 53% من الفرنسيين وكشف احصاء عام 1975 أن ربع الشعب يعتقد أن النجامة علم. والاحصاء الأميركي وصلت النسبة فيه إلى الثلث بين طلاب الجامعات 70% من النساء و50% من الرجال يطالعون بين الحين والآخر على الأقل حظهم من الجرائد والمجلات. ويعتقد الباحثون أن تفسير جماهيرية النجامة يرجع إلى نفسانية الشعوب والظروف المحيطة بهم فمعظم الذين يبحثون عن حظهم يخفون في لاوعيهم أملاً يأملون بتحققه, ويكون البعض غير راض عن حياته ويأمل أن يأتيه الحل لمشكلاته من الغيب الذي تكشفه له عوالم النجوم. أسس العلم ويتابع م. الخوري : بأن أحد المميزات الرئيسية للعلم هو اعتماده على التجربة بشكل أساسي والتجربة العلمية هي مسألة تصاغ في إطار نظرية ما وتطرح على الطبيعة وتكون لغة هذه المسألة في العلوم الفيزيائية هي الرياضيات أو الهندسة ,فإذا كانت النجامة تستعمل الحسابات في معرفة الطالع لكن لغتها الرياضية أبعد ماتكون عن الفكر الرياضي وهي لاتطرح أي تساؤلات على الطبيعة لتحسين مسألة نظرية ومنهم حلول مطروحة. فالنجامة ليست منظومة معرفية ولا تطرح موضوع بحث معرفي وتدعي بالمقابل معرفة كاملة هي في الواقع سكونية -جامدة لإن المعرفة هي في الجوهر البحث المنفتح على الحقيقة والذي لا حدود تقيده في الاتجاه إليها. دور الصحافة والإعلام ..يشير إلى أن الصحافة لعبت دوراً كبيراً في الترويج للنجامة والتي تبوأت الصدارة بين المنتجات التنجيمية الصناعية الأخرى وهذا النجاح الذي تحققه النجامة في الصحف والاذاعات لايرجع إلى تحقيق النبوءات التي تلفقها يومياًًً, بل إلى حاجة الإنسان للمساعدة على التأقلم مع الجو الذي فرضته الثقافة الصناعية الغربية الاستهلاكية. ويبين -جان بياجيه- أن النجامة تجعل الفرد في هذا الوسط المضطرب مركز الاهتمام طالما أن تفسير الأحداث يتمحور عليه. انفصال النجامة عن الفلك ..انفصلت النجامة عن علم الفلك في نهاية القرن 17 وكان موت المنجم -ليلي- في انكلترا نهاية عهد التنجيم وبعد موته بعشر سنوات نشر نيوتن كتابه -المبادىء- وأصبح علم الفلك علماً رصدياً ورياضياً انفصل نهائياً عن النجامة التي باتت تعد تشويهاً للعلم والحقيقة, وشهد القرن الثامن عشر( عصر الأنوار) تراجعاً كبيراً لها. وبالمقابل كان الفلكيون يحصدون شعبية متزايدة مع اكتشافاتهم المدهشة وانهارت المعتقدات القديمة وسقطت مركزية الأرض ومنظومة السماوات السبع والكواكب السبعة وكل المنظومات العقائدية التي تقوم معرفتها الكونية على النظام البطليموسي. -وسرعان مااكتشف كوكبان جديدان هما( أورانوس وبلوتو) إضافة إلى آلاف الكويكبات. ومع تطور التقنيات الرصدية بعد منتصف القرن العشرين أمكن للمرة الأولى معرفة بنى كونية هائلة لاترى بالعين المجردة وكان علماء الفلك قد تجاوزوا بأرصادهم المنظومة الشمسية واكتشفوا في البداية أن هناك منظومات نجمية غير منظومتنا وأثبتوا أن الشمس ليست كوكباً وهو حال القمر أيضاً وأن النجوم الثابتة ظاهرياً ليست كذلك في الواقع. وهكذا توالت الأسئلة على النجامة وأهمها: لماذا لم تكشف المنظومة النجامية إذا كانت متجانسة عن خلل ولو بسيط من التنبؤات كما حال العلم. وإذا كان تأثير النجوم يتعلق بقوة مجهولة فإن هذه القوة لابد أن يضعف انتشارها عبر المسافة. أما إذا كان التأثير النجامي مستقلاً عن المسافة فلماذا لا يوجد نجامة للنجوم البعيدة والمجرات والكوازارات?.. وإذا كان موروثهم صحيحاً فلماذا لا يتنبأ أحدهم بجائزة (لوتو) مثلاً أو يعرف تقلبات الأسهم في البورصة ويعلم وكيله بذلك. رغم ذلك عادت للظهور في القرن 19 مع الرومانسية عودة الحركات الباطنية وكانت جاذبيتها هذه المرة تعتمد على القدرات الخارقة دون إهمال الجوانب العملية للحياة كالمهنة والمال والزواج. وعن المشكلات التي واجهتها النجامة يتابع قوله: بأن الطالع الفلكي هو جدول يرتكز على كون مركزه الأرض. ما يعني أن النجامة لاتزال ترتكز على النظام البطليموسي ولم تستطع التحول والتأقلم مع النظام الكوبرنيكي والمنجمون يأخذون تأثير الكواكب تبعاً لمواضعها بالنسبة للأرض المركزية وبالمقابل فإن امكانية إنشاء نجامة اعتماداً على منظومات غير المنظومة البطليموشية يظهركم أن النجامة لا ترتكز على أسس صحيحة ومتجانسة بغض النظر عن منظومة الاسناد التي تستند إليها.. ومن جهة أخرى يتساءل الباحث عن الذين يولدون في الشمال القطبي أو الجنوبي فهل غياب الأبراج في هذه المناطق خلال شهور طويلة يعني أن شخصية هؤلاء الناس لم تتطور نسبة للذين يولدون قرب الخطوط الأقرب إلى خط الاستواء. أم أن اختلاف المناخ للمنطقة يفسر اختلاف شخصية هؤلاء البشر.. العلم والنجامة يقول لابلاس: استمرت النجامة حتى نهاية القرن السابع عشر وهو العصر الذي بدأت تنتشر فيه معرفة النظام الصحيح للعالم, ولم تستطع النجامة وقتها مجاراة وتمثل الاكتشافات العلمية الحديثة. ويقول العلماء إن مفهوم البرج الذي ترتكز عليه النجامة هو مفهوم خاطئ علمياً. والأقدمون يتصورون القبة السماوية مثل سطح كرة أملس يثبت عليه النجوم وتبعد كلها بعداً متساوياً عن الأرض التي تقع في مركز هذه القبة ويعتبرون أن كل ما يقع من هذه القبة هو بفعل إلهي غرضه معاقبة الأرواح الشريرة, ولايزالون حتى الآن يعتمدون على هذه الأسس في فهم العالم وفي قراءة الطالع لكن العلم بين منذ نحو أربعة قرون أن مسافات ا لنجوم مختلفة جداً في بعدها عن الأرض هذا ناهيك عن أنه لا الأرض ولا الشمس تقعان في مركز الكون وإن عشرات ومئات وآلاف السنين الضوئية تفصل عنا النجوم التي نراها في السماء بالعين المجردة. وبالتالي فإن الصلة التي كان يفترضها الأقدمون ولا يزال المنجمون يأخذون بها بين نجوم البرج الواحد ليست صحيحة في الواقع, وهذا يعني أن ما نسميه برجاً ليس موجوداً أصلاً. لقد حاول المنجمون في القرن العشرين اكتساب احترام العلم وكانت إحدى أهم تلك المحاولات التي قالت بوجود أمواج كهرمغنطيسية تؤثر بها الأجسام السماوية على الحياة الأرضية ويعتبرون أنفسهم أصحاب علم جديد هو- النجامة الحديثة- ويميزون أنفسهم عن المنجمين القدماء مثل- بطليموس أوكبلر- ومع ذلك فإن الكثير من المنجمين وغالبية الجماهير نبذت هذه النجامة الجديدة وكانت ردة الفعل معاكسة تماماً للمتوقع على هذه المحاولة العلمية ويزعمون إن النجامة هي علم روحي والروح لايمكن أن تخضع يوماً لأي إطار علمي ويعكس ذلك مدى تمسك الإنسان بما هو حل نفسي لما يعاني منه من شعور بالانفصال عن هذا العالم. ويورد الباحث العديد من الدراسات التي حاولت اختبار تنبؤات النجامة وإن النجامين لم يكونوا بمستوى تقديم أفكار علمية حقيقية داعمة لأفكارهم وأشهرها ماكان يتعلق بأطوار القمر لماله بحسب النجامة من تأثير على حياة البشر وخاصة الأبحاث التي ترتكز على سجلات الشرطة أو رجال الإطفاء أو المستشفيات النفسية فلم يعثر على صلة بين أطوار القمر وعدد الجرائم والجنح أو الحالات النفسية غير الطبيعية. أخيراً يختم م. الخوري: بأنه علينا أن نكون أكثر اهتماماً بطاقاتنا النفسية فلا نبددها في متابعة الآمال الكاذبة أو في خشية المصير السيء. وبقدر مانعطي لأنفسنا القدرة على الانفتاح المعرفي فإننا نبني طاقة نفسية معافاة وفاعلة. وإن العمل المنظم قادر على تحقيق أمانينا وإن الفكر الحر هو طريق مستقبلنا, وكل إسقاط لحاجاتنا النفسية على الإجابات الجاهزة والآنية يعيق ويقيد قدرتنا الحقيقية على المبادرة الإيجابية.
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
