إذ يتوقع هؤلاء ارتفاع نسبة البطالة في الغرب نتيجة إفلاس عشرات الشركات الخاصة هناك وتراجع القيمة التجارية للعقارات في الولايات المتحدة مع ازدياد خسائر مصارفها للائتمان والتسليف وخضوع قطاعاتها غير المثمرة إنتاجياً للتدهور, يتخلل تلك الأزمة الخانقة ركود اقتصادي يبلغ ذروته مع احتمال فوز الحزب الديمقراطي بالرئاسة الأميركية وقيادته للولايات المتحدة إذ يرجح وصول السيناتور أوباما إلى البيت الأبيض وحصول حزبه الديمقراطي على أغلبية المقاعد بين 56و 60 مقعداً في مجلس الشيوخ.
ويرى(ديفيد لونهارت) الصحفي في جريدة نيويورك تايمز أن الحزب الديمقراطي سيرث عن سلفه عجزاً كبيراً في الميزانية العامة للدولة ستصل قيمته العام القادم إلى 750 بليون دولار أميركي أي ما يعادل 7% من إجمالي الناتج المحلي ,ويتعهد الديمقراطيون اليوم بتسديد النفقات الجديدة للولايات المتحدة باعتماد اقتطاعات تعويضية إلا أن الأزمة ستبدد مخاوف المراهنين على إمكانية حلها بسرعة وستتدفق النفقات الفيدرالية الأميركية من أربع جهات.
أولاً: ستكون هناك قروض خاصة للمودعين علماً أن أي مخاطر أخلاقية كان يحسب لها حساب سابقاً, لقد ولى زمن التصدي للقروض الانقاذية ومناهضتها فعلى سبيل المثال عندما تحصل بورصة المضاربات على قروض انقاذية ستتمتع شركات إنتاج السيارات والنقل الجوي بتلك الامتيازات كذلك وستصبح تلك المؤسسات على ارتباط مباشر بأسواق البورصة عندها ستسجل حزم الحوافز ارتفاعاً ملحوظاً نتيجة لذلك.
ثانياً:لقد فشلت حزمة الحوافز التي أدرجت مطلع هذا العام في قوائم الأسواق في إنقاذ الموقف بسبب إنفاق ما بين 10% إلى 20% من الأموال المودعة مع توفير النسب الباقية والتي ادخرت في جيوب أصحابها ويقدر)مارتن فيلستين( الاستاذ في جامعة هارفارد أن رزمة الحوافز تلك أضافت 80 بليون دولار إلى الدين العام للدولة بينما لم يستفد الإنتاج إلا من مبلغ لا يتجاوز 20 بليون دولار احتسب من نفقات المستهلك ورغم دلك تعهدت نانسي بيلوسي رئيسة الكونغرس بمنح حزمة أخرى من الحوافز ويتم تمريرها لاحقاً.
ثالثاً: عادت الولايات المتحدة إلى مبدأ)كينث( الذي يطالب بإشراف مباشر للحكومة على الاقتصاد, فالاحتياطي الفيدرالي لا يستطيع تحفيز الاقتصاد بمفرده لذلك سيعمد الديمقرطيون إلى استخدام النفقات الحكومية لدعم الاستهلاك ,وتعقيباً على تلك المبادرة يضيف)نوريل روبني( من جامعة نيويورك أن الاقتصاد الأميركي يحتاج إلى حوافز مالية تقدر قيمتها ب 300 بليون دولار أميركي وقد تعهد أوباما بتبني برنامج عمل لإنتاج طاقة نظيفة تبلغ تكلفته 150 بليون دولار يمتد لفترة عشر سنوات, كذلك تعهد بتخصيص 60 بليون دولار للإنفاق على البنية التحتية خلال الفترة ذاتها , هذا إلى جانب تعهده بتطبيق نظام ائتمان ضريبي بقيمة 4 آلاف دولار سنوياً تذهب للتعليم الجامعي, كما وعد بتخصيص3 آلاف دولار لرعاية الطفولة و 7 آلاف دولار لتسيير سيارات نظيفة بعيدة عن التلوث البيئي.
رابعاً: ستكون هناك اقتطاعات ضريبية في المستقبل هذا ما أقر به أوباما قبل أيام حين اعترف أن حكومته ستمنح مساعدات للمستفيدين مع المشاريع الإنتاجية الصغيرة ومن أولويات أوباما تخفيض الضرائب على الأسر الأميركية الفقيرة بنسبة 95% علماً أن توجهات أوباما هذه ستؤدي إلى تقليص الدخل الحكومي من الضرائب إلى 208 تريليونات دولار خلال العقد القادم.
أما بالنسبة لخطة الرعاية الصحية فقد اقتطعت عام 1960 نسبة 5% من الناتج المحلي الإجمالي وبحلول عام 2025 ستقتطع نسبة 25% ولمواجهة ارتفاع هذه التكاليف سيعمد أوباما إلى إنفاق بلايين الدولارات لتوسيع التغطية النقدية للحكومة ونفقات ميزانيتها المتزايدة وعندما تتضافر تلك العوامل مع بعضها فإن نسبة العجز في الميزانية ستتجاوز ال 5% بأضعاف مضاعفة.
وسوف تعمل المستجدات القادمة على توسيع الهوة والانشقاقات في صفوف الحزب الديمقراطي وسيتهم الليبراليون الحزب الحاكم بسوء التنظيم وباتباع البيت الأبيض لسياسات اقتصادية هزيلة تقود الولايات المتحدة إلى شفير هاوية أزمة اقتصادية عميقة, فالمخاوف من الإفلاس والعجز عن تسديد الديون وصل إلى ذروته الآن لذا يجب على الديمقراطيين الاستفادة من سيطرتهم على حكومة واشنطن في حال فاز أوباما كفرصة لإجراء تغييرات واسعة في النظام الرأسمالي الأميركي هذا بينما سيعمد الليبراليون إلى تبنى الأوسلوب الأوروبي في سياساتهم الاقتصادية وستجادل من جهة أخرى الشريحة المعتدلة في الولايات المتحدة حول أن الإفراط الزائد والديون المتراكمة كانت وراء الأزمة المالية الحادة اليوم.
وتؤكد فئة من المعتدلين أن الولايات المتحدة ستظل تواجه أزمة عجز أو إفلاس هدامة في ميزانيتها نتيجة ازدياد نفقات حروبها وأعباء ديونها المتراكمة.
وسيسعى أوباما لتأييد كل من المعسكرين الليبرالي والمعتدل كما سيبدي تعاطفه مع الطرفين إلا أن الفوز سيكون لمصلحة الليبراليين في نهاية الأمر فعلى امتداد العقد الماضي صّعد الليبراليون حملتهم ضد السياسات الاقتصادية التي انتهجها روبرت روبين وأحكموا سيطرتهم على مركز القوة في الكونغرس.
ومن الصعوبة بمكان انحياز أوباما باتجاه الليبراليين لأنه لا يستطيع إلغاء سلطة رئيس لجنة ينتمي لحزبه وعندما يكون حاكم البيت غير متمرس ورئيس اللجنة باعه طويل في السياسة يصبح الإنحياز بحكم المستحيل وخاصة إذا ما غرقت البلاد كما الحال الآن في الركود مع التلويح بأزمة اقتصادية.
وباختصار ما سنشاهده قريباً زيادة كبيرة في النفقات وارتفاع معدل العجز في ميزانية واشنطن وتراجع التيار المعتدل على كبح جماح التوجه السياسي باتجاه ما يسمى اليسار الأميركي .فالحالة الاقتصادية المتدهورة في الولايات المتحدة تنذر باستفحال رقعتها وتفاقم عواقبها الوخيمة على المدى البعيد.