انتقل المدير للعامل الثاني وسأله نفس السؤال فأجابه: أنا أقوم بتشكيل الأحجار إلى قطع يمكن استعمالها وبعد ذلك تجمع الأحجار حسب تخطيطات المهندس المعماري وهو عمل متعب وأحياناً يصيبني بالملل!!! ولكن أكسب منه قوتي أو ليس هذا أفضل من أن أبقى دون عمل, وانتقل المدير للثالث وسأله نفس السؤال فرد عليه وهو يشير إلى أعلى (ألا ترى بنفسك أنني أقوم ببناء ناطحة سحاب) وبعد أن استعرضنا هذا المثال كانت لنا وقفة مع المرشدة الاجتماعية وئام ابراهيم في وجهة نظرها حول القدوة في حياتنا, إذ ترى من خلال إجابات العمال الثلاثة رغم أنهم كانوا يقومون بنفس العمل أن نظرتهم تجاهه كانت مختلفة تماماً وهذا وضع طبيعي, لأن وجهة النظر هي عبارة عن طريقة تفكير ترجع للشخص وبيئته وسنه وجنسه وغيره.
الاقتداء بها
-- وعلى ماذا تدلنا عبارة قدوتي في الحياة?
-تدلنا عبارة ((قدوتي في الحياة)) أن القدوة هي الشخصية المثالية التي يحبها الشخص ويفرغ جزءاً كبيراً من وقته لتتبعها والاستماع لها ومشاهدتها والاقتداء بها, وهذه القدوة من المفروض أن تدفع إلى البحث عن الأشخاص الكرام في المجتمع فالتشبه بالكرام فلاح ومن واجب الإنسان العاقل أن يطلب من القدوة أعلاها فيقتدي بها.
اختلاف واضح
-- هل تغيرت المفاهيم حسب اختيار القدوة لجيل اليوم?
-القدوة متعددة الوجهات فمن الممكن أن تكون شخصية سياسية أو اقتصادية أو إعلامية (فنان-مطرب-إعلامي) وبالنظر للتطور الحاصل من خمسين عاماً إلى الوقت الحاضر خاصة في مجال الإعلام نجد اختلافاً واضحاً بين الشخصيات التي تمثل القدوة بالنسبة لجيلنا الحالي والجيل السابق. ولدى استطلاعنا على بعض الأشخاص من الجيلين وسألت كلاً منهم عن الشخصية المثالية أو القدوة في حياته. فكان أولهم رجل في العقد السادس من العمر أجابني: إن شخصيته المثالية هي شخصية جمال عبد الناصر. وسألت آخر عن شخصيته المفضلة فأجاب: أحب شخصية أم كلثوم كوكب الشرق وسيدة الغناء العربي, وأضاف, كان الغناء في زمنها له معنى وقيمة !! ومن أجوبتهم وأجوبة آخرين كان من الواضح أن الشخصية المثلى في حياة الجيل الماضي إما سياسية أو فنية. ولكن الشخصية الفنية تختلف بعض الشيء عن الشخصية الفنية التي ظهرت وتظهر في وقتنا الحاضر شكلاً ومضموناً. وخاصة في مجال الغناء ولما نراه على الأقنية الفضائية إذ الهدف منها هو التعري واظهار المفاتن على حساب الكلمة والجوهر.
مثلاً السيدة أم كلثوم مجرد ذكر اسمها يجعل سامعه يتغنى بترديد وإتقان القصائد والموشحات وكان من أهمية الفن وقيمة الفنان في ذلك الوقت أن مستقبلي أم كلثوم كانوا يعزفون في استقبالها السلام الوطني المصري عند زيارتها لأحد البلدان العربية, أما عند وفاتها فقد شيعت في موكب شعبي ورسمي مهيب احتراماً لها كإنسانة أثرت في أحد الأيام في مجتمعها ولم تستخدم موهبتها في الإثارة والإغراء وتقديراً لفنها الراقي الذي بقي خالداً إلى أيامنا هذه. ومن منا لايعرف العندليب الأسمر مالىء الدنيا وشاغل الناس عبد الحليم حافظ نقشت أغانيه على جدران وجداننا وفي أعماق, ذاكرتنا فأيقظت فينا الحب والحماسة زهاء ربع قرن وكان يكد خلالها ليرتقي للأفضل في الأداء وانتقاء الكلمات والألحان ودراسة الموسيقا.
الجيل الآخر
ولدى سؤالي لشريحة الشباب عن قدوتهم أو شخصيتهم المثالية في الحياة وجدت أن الشخصية المثالية عند عدد كبير منهم هي شخصيات فنية وغالباً ما تكون من المطربين والمطربات. وتردد على مسامعي أسماء عديدة أعرف بعضها والبعض الآخر لم أسمع به? وإن أشخاصاً مثل نانسي وتامر حسني وهيفا أو وائل كفوري يعتبرون جميعاً من الشخصيات المؤثرة بشكل ملحوظ على شريحة الشباب والمراهقين. شئنا ذلك أم لم نشأ, وإن المتابعة الدقيقة لهذه الشخصيات في كل تفاصيل حياتها والتقليد الأعمى لها في اللباس ولون الشعر والتسريحة حتى وصل الأمر إلى إجراء عمليات جراحية وتحمل مخاطرها من أجل الوصول إلى الشكل الخارجي للمطرب المفضل وعندما حاولت جمع معلومات عن شخصية نانسي عجرم مثلاً لم أحصل على شيء مهم عن دراستها أو ثقافتها أو كتابها المفضل!! بل حصلت على معلومات متفرقة عن لونها المفضل وأن من هواياتها التسوق وآخر فيديو كليب لها..
الشخصية الفنية المفضلة فقط
وتتابع الاختصاصية وئام لتقول: وهكذا يتضح لنا الفرق الشاسع بين الجيلين في مسألة من القدوة على مر الأجيال. وطريقة اختيار هذه القدوة وإن كنا سلكنا طريق الشخصية الفنية المفضلة فقط.. لكن بوضوح وجدنا الفرق الشاسع بين الفن والطرب الذي قدمه فنانون يحترمون اسمهم وفنهم وبين أشخاص يدعون الفن وهمهم الأول تسويق مايدعون أنه غناء تحقيقاً للربح المادي أولاً وأخيراً.. والحقيقة إن قسماً كبيراً مما يقدمونه لايحوي إلا الإثارة والإغراء بالقول وبالإيحاء والرقص الخليع الذي يسوق على أنه فيديو كليب!! والذي يمر علينا بثوان معدودة لانذكره بعدها ولاندري ماذا سمعنا أو من سمعنا على هذه الشاشة الصغيرة!!!