تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


الفيلم التركي ثلاثة قرود...يمتحن المقدرة على المغفرة

المهرجان السينمائي
الأثنين 3/11/2008
ماهر عزام

أتحفنا مهرجا ن السينما بفيلم افتتاح يستحق هذا الوصف..الفيلم الحائز على جائزة أفضل مخرج في مهرجان كان السينمائي,

وفيه يأخذنا المخرج التركي نوري بيلج سيلان الأحياء الفقيرة في اسطنبول..تلك الأحياء التي لا يزورها السياح عادة, ولا تحمل سمة تركيا لا التاريخية العثمانية ولا الأتاتوركية الحديثة..إنها منطقة بسيطة جدا كبساطة العائلة التي يتحدث عنها الفيلم..في هذه العائلة يوافق الأب على الدخول إلى السجن بدلا من رب عمله الذي صدم شخصا بالسيارة, وذلك لكي لا يتضرر الموقف الانتخابي والسياسي لرب عمله مقابل مبلغ من المال لضمان حياة متوازنة ماليا..وخلال السجن يخون رب العمل هذه العائلة بأن يبني علاقة عاطفية وجنسية مع الزوجة..يعرف الابن لكن دون أن يفعل شيئا وكذلك الزوج بعد خروجه من السجن..لكن الابن يقتل رب العمل في محاولة للتطهر من خطيئة أمه.‏

يبني المخرج فيلمه وفق إيقاع بطيء يتيح مساحة أوسع للتأمل في وجوه الممثلين الحائرة والتي تغوص بعيدا في أعماقها بحثا عن مَخرج وحل لهذه المعضلة..تسيطر الحيرة واللافعل على الشخصيات الشيء الوحيد الذي يفعله الزوج هو تكرار المعادلة بأن يطلب من صبي مقهى أفقر منه ان يقتل الزوجة ويأخذ المال..! لكن لا شيء من هذا يحدث..تحاول الزوجة الانتحار أكثر من مرة لكنها لا تفعل, وفي إحدى المرات ينهيها زوجها عن هذه الفعلة ويصف الانتحار بالعمل السخيف.‏

يقودنا عنوان الفيلم إلى التوقف عند الحكمة الهندية القديمة ..القرود الثلاثة (لا أرى. لا أسمع, لا أتكلم) هذه الحكمة التي تلخص حال الزوج والزوجة والابن ورب العمل..ففي داخل كل واحد منها ثلاثة قرود تملي عليه المخرج لهذه المعضلة.‏

إنه فيلم نفسي وعاطفي وجنسي وعائلي ينقل المعضلة التي لا يضع لها حلا إلى المتلقي..الفيلم يمتحن قدرة المرء على الغفران وتجاوز الخطيئة لا البحث عن مبرر لها. فهناك من يرى ضعفا في البنية الدرامية للفيلم بأن لا دافع لدى الزوجة لتخون أسرتها وزوجها الذي ضحى بحريته بحثا عن مخرج لمأزقهم المالي..لكن إذا ما قُرئ الفيلم وفق المستوى النفسي فإن غياب المبرر والدافع المباشر لخيانة الزوجة يرتكز على شيء عاطفي فهي أحبت رب العمل ولم تول عناية لزوجها السجين..أصغت لمشاعرها ولم تصغ لواجبها.. إنها إحدى لحظات الفرد العميقة والتي لا يمكن هندستها دراميا.. والمطلوب ان تكون خطيئة المرأة عاطفية في هذا الفيلم أما الخطيئة الجنسية فهي من الدرجة الثانية..‏

المرأة في هذا الفيلم يمكن أن تحيلنا إلى مفهوم حواء والخطيئة الاولى وذلك لأن الفيلم يذهب عميقا في تاريخ المشاعر ليعيدها على هيئة صورة سينمائية خالصة من أي تكلّف أو ادعاء. أو حتى بذخ انتاجي.‏

وتعميقا للمستوى النفسي للفيلم في أعماق الشخصيات يخترق الابن المتوفى خيالات الأب وكذلك خيالات الأخ وذلك كلما ارتبك الشخص أكثر بحيث يكون الموت حاضرا على هيئة طفل متوفى..عوالم الفيلم النفسية يمكن ملاحظتها في كل تفصيل من تفاصيل الفيلم..بدءا من القوارب الصامتة قبالة نافذة المنزل مرورا بالقطارات العابرة خلسة من خلف المنزل مرورا بالأنفاق شبه المعتمة التي يجتازها الزوج في بداية الفيلم وتجتازها الزوجة في وسطه.‏

الفيلم يطرح سؤال القدرة على المغفرة كتحد امام مجتمع لا يمكن إلا ان تخترقه الأخطاء.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية