مشيراً فيه إلى أن الحكومة الإسرائيلية ناقشت يوم 8/1/2012 خطّة رئيس الحكومة لإقرار التعليم المجّاني من سنّ الثالثة خلال السنة الدراسيّة القادمة، واقتراحه بأن يتمّ اقتطاع نسبة 4% من ميزانيات جميع الوزارات لتغطية نفقات هذا القانون.
الخبر يبدو طريفاً إلى درجة يجد المرء نفسه وهو يستمع إليه مندفعاً لا شعوريّاً إلى إطلاق ضحكة، يكتفي بإطلاقها ثمّ ينشغل بعد ذلك مستغرقاً في البحث عن السبب الذي دفعه إلى تحريرها من الأسر.
وطرافة الخبر تكمن في نيّته المبيّتة في تصدير جملة من الرسائل، التي لا تتعب القارئ في التعرّف على مضمونها، وحسبه أن يلقي نظرة خاطفة على العنوان ليصل بسرعة إلى فحوى الرسالة.
الرسالة الأولى تقول إنّ الكيان الصهيونيّ يعتمد على التمويل الذاتي عندما يتّجه إلى إقامة مشروع ما بصرف النظر عن أهداف هذا المشروع، وكأنّ (إسرائيل) لا تنتظر غيث السماء الذي يهطل من الغيوم الأميركية التي تسارع حتّى قبل أن تشير ( إسرائيل) ببنانها إلى تقديم المساعدة على وجه السرعة، وهذا الالتزام الأميركي بدعم الطفلة المدللة (إسرائيل) دَين يحمله الرئيس الأميركي السابق والحالي والقادم وكلّ رئيس سيأتي عاجلاً أو آجلاً، دَين يحملونه في أعناقهم وينتظرون على أحرّ من الجمر لحظة تأديته على أكمل وجه، فمثل هذه التأدية تترجَم دعماً مؤثّرا من قبل اللوبي اليهودي داخل الولايات المتّحدة الأميركية، ويفعل فعله البليغ في صناديق الاقتراع، وهنا لا يغيب عن مصدّر خبر مناقشة خطّة ( نتنياهو) أن الانتخابات الرئاسيّة الأميركية على الأبواب، ولا بأس في هذه المناسبة من نهر الرئيس ( باراك أوباما) لعلّ أريحيّته المعهودة تتحرّك فيقوم بإرسال ما هو مفروض عليه إرساله من دعم ماديّ ومعنويّ لهذه الخطّة، وبالطبع لن يتردّد (أوباما) في الردّ على تحيّة الرسالة وإن لم تكن تحيّة بأحسن منها !
أمّا الرسالة الثانية فتشير إلى اجتماع قلوب الساسة الصهاينة على اختلاف مشاربهم ومذاهبهم السياسيّة على قلب رجل واحد في موضوع كره العرب وكلّ ما هو ومن هو عربيّ، ولربّ سائل يسأل عن مصدر هذا الاستنتاج وعلاقته بموضوع الخطّة، ولكي لا تذهب به الظنون بعيداً نذكّره بأنّ التعليم الدينيّ هو حجر الزاوية في مناهج التعليم الإسرائيليّة، وليس بخافٍ على ذي لبّ وبصيرة أنّ جوهر التعليم الدينيّ في ( إسرائيل) قائم على تعليم الصّغار الحقد على العرب والفلسطينيين، وغرس نزعة الثأر منهم في قلب كلّ طفل إسرائيليّ، وهذا التعليم يخضع لإمرة رجال الدين اليهوديّ المتشدّدين ، وحاخامات بني صهيون يملكون تأثيراً قويّاً في دوائر التعليم والجيش داخل الكيان الصهيونيّ، وهناك حزب سياسيّ يتبنّى طروحهم وأفكارهم ممثّلاً بحركة ( شاس). وبما أنّ تأثير رجال الدين قويّ على الساسة الإسرائيليين فمن البديهيّ أن يكون (نتنياهو) على يقين بأنّ طلبه سيجاب بالقبول ودون تردّد من وزارات حكومته كافّة.
وفي تقريره أشار مراسل راديو (إسرائيل) إلى أن اقتراح نتنياهو أمام حكومته خلال جلستها تضمّن بناء نحو ألفي روضة أطفال عامة وإقامة نزل جديد يستوعب ثلاثين ألف طفل ودفع نفقة وجبة للأطفال من سن الثالثة حتى التاسعة، منوّهاً بأنّ اقتطاع 4% من ميزانية جميع الوزارات هو مسألة منطقية لتغطية نفقات هذا الهدف الكبير، وكيف لا يراه ( نتنياهو) كبيراً وهو يماشي فكره وفكر كلّ سياسيّ إسرائيليّ يتبنّى كره العرب نظريّة وممارسة على أرض الواقع!
أمّا الرسالة الثالثة فتتضمّن تصريحاً مباشراً من قبل ( نتنياهو) بأنه على طريق مَن سبقه في ضخّ جرعات مركّزة من التطرّف في قلب كلّ من يعيش في ( إسرائيل) ليقتفي أثر من سبقه برفض التعايش السلميّ مع الفلسطينيين وعدم السماح لهم حاضراً ومستقبلاً بإقامة دولة خاصّة بهم، والتعامل معهم على أنهم أعداء الحاضر والمستقبل.
يريد ( نتنياهو) أن يهدم بيوت أبناء الشعب العربيّ الفلسطينيّ بيد ويبني بيد أخرى رياض الحقد والتطرّف والكراهية لا رياض الأطفال الذين لا يعرفون من الدنيا إلاّ براءة الطفولة ونقاء الضمائر، وبهذه الطريقة التي تجمع بين الهدم والبناء يكون ( نتنياهو) واثقاً من نجاح خططه، لكنّه نجاح سيعود عليه مستقبلاً بالخسران المبين، وعلى الباغي تدور الدوائر.