دون الأخذ بعين الاعتبار أن مضمون ألعاب العنف هذه قد تمتلك عقول الأطفال وتسلب تفكيرهم بطريقة لا يمكن إخفاء آثارها السلبية سواء على المستوى القريب أم البعيد والمتمثلة بالعزلة والانفصال عن البيئة المحيطة بالطفل... بالإضافة إلى العديد من الأضرار الجسدية كانقراص الفقرات والتهاب المفاصل وغيرها الكثير... وإذا أسلمنا أن لغة الصورة أضحت لغة العصر فإن الطفل كما يرى أهل الاختصاص عندما ينغمس في ألعاب العنف لا يعود واعياً بالزمان والمكان إذ يصبح جزءاً من اللعبة وتجسيداً لشخصية خارقة ومعزولاً عن الخصائص المكتوبة لشخصيته...
70بالمئة للعنف
وفي جولة للثورة على بعض محال ألعاب الفيديو تجلت الصورة الحقيقية لطبيعة هذه الألعاب ومضمونها حيث تبين لنا أن ما يقارب 70٪ منها يدور محورها حول العنف إما عن طريق الأسلحة الحربية أو السكاكين... وعن هذه الطرق حدثنا سامر ذو الأعوام التسعة فقال: هناك عدة طرق لقتل العدو منها المسدس والبندقية والقناصة والقنابل بأنواعها ومن ثم ما يسمى السلاح الأبيض أي السكين.. ويتابع سامر حديثه ببراءة الأطفال أنا دائماً أقف مع الأشرار ضد الشرطة لأن من يقف معها يهزم ويصبح مثار سخرية من قبل الآخرين بينما من يقف مع الأشرار يحصل على الثناء من قبل الجميع خاصة عندما يهزم أفراد الشرطة بوسائل الانتقام المتعددة ، بينما مؤيد الذي لم يبلغ بعد التسعة أعوام يعاني من ضعف شديد في النظر جراء الجلوس لساعات طوال أمام شاشات الكمبيوتر والبلاي ستيشن ما اضطره إلى ارتداء نظارات طبية لم تثنه عن تقليص ساعات اللعب هذا وقال لنا بأنه ينتظر يومياً وبفارغ الصبر انتهاء دوام المدرسة من أجل التوجه إلى محال اللعب هذه خاصة وأنه وصل إلى مرحلة الاحتراف في لعبة المنتقم بأدواتها الشرسة المتعددة بعد مرور أربع سنوات من التدريب ما يخوله الفوز دائماً على زملائه في الحي...
رخصة قانونية
أبو سالم صاحب أحد محال الألعاب أكد لنا أنه يمتلك رخصة قانونية تخوله ممارسة العمل في هذا المجال دون خوف.. مشيراً في الوقت نفسه إلى أن هناك العديد من أصحاب هذه المحال يعملون في الظل دون حسيب أو رقيب ودون امتلاك رخصة قانونية... وفيما يتعلق بمصدر اسطوانات الألعاب لديه أكد لنا أن مصدرها معروف وهي مكفولة لأنه يتعامل مع تجار الجملة المختصين ببيع هذا النوع من الألعاب والمرخص لهم المتاجرة بها... منوهاً في الوقت نفسه أنه لا يخلو الأمر من وجود اسطوانات ذات جودة ضعيفة وصورة سيئة لكنه ولخبرته الطويلة في هذا الباع يحاول دائماً عدم اقتنائها أو السماح للأطفال المرتادين لمحله بالتعامل معها...
تراجع في القدرة البصرية
التراجع في القدرة البصرية هي النتيجة الأسوأ أو الأكبر في تعامل الأطفال مع هذه الألعاب خاصة في ظل غياب رقابة الأهل وتوعيتهم للأبناء حول مخاطر هذه الألعاب هذا ما أكده لنا الدكتور قصي الخالد اختصاصي طب عيون فقال: للأسف هناك الآلاف من الأطفال يومياً يقبعون وراء شاشات التلفزة وألعاب الفيديو ضاربين عرض الحائط هم وذويهم بنصائح الأطباء التي تشير إلى الضرر الكبير الذي سيقع على شبكية العين من جراء التعرض المستمر لمصادر الضوء والاشعاعات الالكترونية والتحديق المتواصل عن قرب بشاشات التلفزة والحاسوب... بالإضافة إلى الآثار الصحية الآخرى كالسمنة والكسل وتبلد الذهن... لذلك وللتقليل من هذه المخاطر يجب تنظيم تواجد الأبناء أمام هذه الألعاب خاصة للأطفال دون سن العاشرة حيث يسهل هنا توجيههم وتحديد خياراتهم دون حرمانهم من متعة اللعب في هذه الألعاب...
نتائج وخيمة
بينما الطبيب النفسي ماهر القاضي أكد أن الدراسات العالمية أظهرت أن ما يقارب 70٪ من الأطفال الذين يلعبون ألعاب العنف يدمنون عليها وهذا ما سيحدث بالتأكيد نتائج وخيمة لا تحمد عقباها كالشعور بالعزلة خاصة وأن الطفل عندما ينغمس في هذه الألعاب ينفصل عن المحيط الذي يعيش به ولا يعود واعياً بالزمان أو المكان بالإضافة إلى تجسيده لشخصية لا تمت إلى حقيقته بصلة...
واهتمامه هنا يتركز فقط على الفوز بأي طريقة كانت... وهذا ما يثبت وبشكل قاطع أن ثقافة الفيديو وخاصة العنف قد غزت عقول الأطفال بلا منازع ما يدعو وبصورة ملحة إلى إعادة بلورة ثقافة الأطفال من جديد وذلك عن طريق إعادة ترسيخ عادات القراءة والمطالعة مع تحديد ساعات ونوعية الألعاب وطريقة التعامل معها... وهذه مسؤولية أهلية ومجتمعية في آن... أهلية من خلال المتابعة والمراقبة المستمرة للطفل خاصة وأن العديد من الآباء لا يعرفون عن أبنائهم سوى أنهم يلعبون ما يسمى بالاتاري بعيداً عن مخاطر الشارع ودون معرفتهم بنوعية هذه الألعاب ومضمونها.. بينما المسؤولية المجتمعية فتقع على الجهات المسؤولة عن محال ألعاب الفيديو وذلك بتنظم ومراقبة عملها والعمل على فرض عقوبات من قبل الجهات المعنية ضد تجار التجزئة الذين يبيعون ألعاب فيديو العنف بصورة تسيء لبراءة الأطفال ودون رخصة قانونية...
وأخيراً...
وفي الوقت الذي لا يمكن فيه إخفاء متعة ألعاب الفيديو وخاصة العنف عند العديد من الأطفال أو التغاضي عن تطور تقنياتها وتمثيلها للواقع بمختلف جوانبه... تبين الدراسات العالمية بعض التأثيرات الايجابية لألعاب العنف كتحسين التركيز في المهارات الاجتماعية غير أنه يبقى من المرجح أن يكون للآثار السلبية الهامش الأكبر على مجموعة الأطفال ممن يداومون على اللعب ويدمنون عليه...