وحلقت في دنيا الأحلام لترسم صورة بهية وردية وسرعان ما عقدت على أوباما الآمال لدرجة ظنه الكثيرون بطل فيلم سنة 1939 الدرامي الفكاهي الأشهر «السيد سميث يذهب إلى واشنطن»
وربما خاله الكثيرون بطلاً في مواجهة كبريات المؤسسات المالية التي يتزعمها أباطرة الصيارفة والتي تقدم اعتباراتها المصلحية والربحية على أي اعتبارات أخرى تمت بصلة لمصالح جماهير الناس وعامة الفقراء، وضد مصلحة الغيلان المتوحشة من الشركات الكبرى والتي أصبحت كلمتها هي المسموعة لدى صناع القرار، ولا سيما سلاطين البيت الأبيض، وثمة عدد لا بأس به ممن يسمون «ليبراليي اليسار» يتخذون أصدقاء من صفوف التيار اليميني الذين لا يصدر عنهم سوى ضوضاء تملأ الفضاء (ومن بينهم سين هانيتي وراش ليمباو وبيرنارد غولد بيرغ) وذلك بنسجهم لأسطورة أن مناضلاً يسارياً اتخذ من البيت الأبيض داراً له يقيم فيها إلا أنه وكما يلاحظ رئيس تحرير مجلة هاربرجون ماك آرثر، فإن هذه ما هي إلا قراءة بائسة عبثية لسيد البيت الأبيض الجديد وانخداع لا يغتفر، ويصف ماك آرثر أوباما بأنه «معاصر يكن احتراماً تقديسياً لأباطرة المال العالميين»، وأنه بالتأكيد لا يمت لليسار بصلة إطلاقاً كما أنه أبعد ما يكون عن أن يتصف بأنه راديكالي يبتغي حلولاً جذرية.
ولننظر على سبيل المثال إلى برنامج «تحقيق الاستقرار المالي» الذي أخرجه أوباما للناس مؤخراً والذي يتناغم مع ما وصف به الرئيس ذاته نفسه بأنه «ديمقراطي جديد» «أي ديمقراطي أصيل».
فمن الطبيعي أن ينفق السيد أوباما عدداً لا يحصى من تريليونات الدولارات يقتطعها من الأموال المتدفقة من جيوب دافعي الضرائب ليقدمها لمؤسسات وشركات وول ستريت العملاقة الذين لم يضنوا عليه بالملايين التي أغدقوها على حملته الانتخابية (فهل جزاء الإحسان إلا الإحسان).
أوباما المحافظ في منهجه التقليدي والمولع أشد الولع والمعجب حتى الانبهار بهذه الشركات وما يدعى بالسوق الحرة التي يصولون ويجولون بها، بحيث لا يمكن لأي امرىء أن يتصور أن أوباما يمكن أن يقدم على الخطوة الضرورية التي تتطلبها الخطة الناجعة لانقاذ البلاد الائتماني والمالي ألا وهي تأميم البنوك وإعادة هيكلة الصروح المالية على أساس رقابة صارمة تتضمن سلامة النظام الاقتصادي والاجتماعي معاً.
وما خطة أوباما لضمان الأصول المسمومة سوى ما أطلق عليه الاقتصادي الليبرالي جيمس كي جيلبريت بحق وصف الجهد الهائل لانقاذ الجناة من حبل المشنقة ونحن نتفهم في واقع الأمر، وجهة نظر هذا الاقتصادي غير الراديكالي وكاتب الأعمدة في صحيفة الـ «نيويورك تايمز» بول كروغمان وكيف أنه امتلأ بمشاعر الاحباط جراء خطة أوباما لإنقاذ البنوك لأنها تعيد تدوير سياسة جورج بوش ولا سيما المال النقدي لقاء النفايات.
وخطة أوباما-غايثنر-سامرز-بوش-بولسون إنما تكافىء ذلك السلوك المتهور وترمي بطوق النجاة للصوص الذي استولت عليهم الأثرة واستبد بهم الطمع وذلك بضخ مليارات الدولارات من أموال دافعي الضرائب إلى البنوك المفلسة، وكان كروغمان وصف الخطة بأنها مقامرة لا تعلم عواقبها.
وكان السيد أوباما قد أعرب لبرهة قصيرة جداً عن غضبه من المكافآت السخية جداً التي ينالها المديرون التنفيذيون في شركة «ايه إي جي» التي كانت خسائرها بالمليارات، إلا أن النهج هو النهج ولا تزال خطة أوباما على حالها، تغدق المال على أثرى الأثرياء وتضن به على الفقراء.
ولا ينبس أحد ببنت شفة ويجترىء على الحديث عن مبلغ التريليون دولار سنوياً لميزانية البنتاغون أو عن الأموال التي تنفق على أكثر من 760 قاعدة عسكرية منتشرة في العالم وتبتلع أكثر من نصف الإنفاق العسكري في العالم كله وذلك باسم الدفاع.
وتظل الطفيليات الرأسمالية تستنزف أميركا وخيراتها لتزيد من ثقل الأعباء التي تنوء بها كواهل دافعي الضرائب في الولايات المتحدة.
وها هي زيارات أوباما تفضحه، إذ يسارع للاطمئنان على صحة شركة كاتربيلار التي تزود إسرائيل بالجرافات والمعدات التي تبني بها المستوطنات في فلسطين وتهدم بها المنازل على أهلها في قطاع غزة، وها هو أوباما يقلص في خطته الانفاق على الرعاية الصحية والتأمينات الاجتماعية وليذهب الفقراء والبائسون إلى الجحيم.