فالجاني، أي القوى الامبريالية والصهيونية وكيانهما العنصري الإرهابي الصهيوني في فلسطين، أخذتهم نشوة نصرهم وسهولة هزيمة العرب في معارك ومواجهات سابقة على الوقوع في وهم أن هؤلاء العرب يمكن أن يتخلوا عن حقوقهم، ويقتنعوا بما قسم لهم الجناة، ويسلموا باغتصاب أرضهم، وسرقة ثرواتهم، ويقبلوا بالعيش جنباً إلى جنب مع الجاني كحقيقة غير قابلة للتعديل، وأن يضللوا الرأي العام بأن لاعلاقة للغرب بما حدث سابقاً وما يحدث الآن، وما سيحدث في المستقبل، ويمكن للأجيال العربية أن تنخدع بهذه الخديعة الكبرى والتزييف الفاقع للتاريخ، وظن الأعداء أنهم نجحوا في كذبتهم الكبرى ومؤامراتهم، بما لمسوه عن بعض العرب من تقبل لهذه الأفكار، ومن تجاوب مع ثقافة القنوع والخنوع، ثقافة العولمة المتوحشة والتسليم بسموم رياح الشمال، وتسليم مراكبهم لها، تتقاذفها متى وأنى شاءت و خاصة بعد احتلال بغداد في نيسان 2003.
وللأسف صدق بعض العرب أنهم ضعفاء ووقعوا في وهم قاتل، من خلال اقتناعهم بضعفهم وقوة عدوهم، الذي لايقهر، وتم نشر ثقافة العين لاتقاوم المخرز، والواقعية والمتغيرات الدولية الجديدة، وتسويق أفكار الاعتراف بالآخر، أي الاعتراف بالجاني، وإمكانية التعايش معه، وإن الجاني يمكن أن يعيد الحق لأصحابه، فركض إلى المحافل الدولية حاملاً أكثر من مشروع للسلام، مبدياً كرمه «الحاتمي» بالاعتراف بالعدو متنازلاً عن الكثير من حقوقه، تعبيراً عن رغبته بالسلام.
لكن هذا الواقع، زاد من صلف الجاني، فلم يعد يقبل بالكرم العربي، بل أخذ يضع الشروط للسماح للمجني عليه أن يبقى حياً مقابل التخلي عن ثرواته، وقلع أسنانه وتقليم أظافره!
وبين الواهم الأول والثاني كان هناك أبناء الأمة الأحرار، أبناء الشعب العربي الذين ماناموا يوماً على ضيم، وبذلوا الغالي والرخيص لتحرير الأرض والانسان من براثن الاحتلال والذين اختاروا خط المقاومة والصمود، والذي بدأ بالنهوض في حرب تشرين التحريرية عام 1973، وأخذت تتجذر يوماً بعد يوم بالمقاومة في لبنان وفلسطين والعراق، فكانت أعوام 2000 ولعام 2006 وعام 2008، أعوام الانتصارات على العدو وتثبيت حقيقة جديدة في الواقع العربي والعالم، إن زمن الهزائم قد ولى وزمن الضعف والخنوع في طريقه إلى الزوال.
إنه زمن جديد، زمن المقاومة المنتصرة، التي تزداد شموخاً ورسوخاً، حتى غدت اليوم ثقافة شعبية عارمة، لأن الشعب بخبرته وحكمته وإرادته استطاع أن يميز بين عدوه وصديقه، بين من يقف إلى جانبه ومن يقف إلى جانب عدوه، وهو لن يزيغ عن الحقيقة الراسخة أن الكيان العنصري الصهيوني هو العدو الأول في هذه المنطقة، وأنه والسلام عدوان وأنه زائل لامحالة، مهما عربد، وتزين بحلي الإمبريالية وجبروتها وقوتها العسكرية، وأنه مندحر مهما طال الزمن.
والأمة العربية، التي تمتلك حضارة تعود إلى آلاف السنين، لن تخطىء الرؤية والبصيرة، فهي تعرف عدوها، وتعرف صديقها، فمن يمد لها يد العون والمساندة تمد له يد الخير والمساعدة، ومن يمد لها يداً شريرة تمد له مدية تقطع هذه اليد، ومن هنا فإن على الدول العربية جميعها اعتبار قضية فلسطين قضية الجميع والعمل على إعادة الوحدة للصف الفلسطيني و تحصين السيادة القومية العربية، من خلال بناء الذات القومية والوطنية بناء حقيقياً لكي تظل الحرية علماً في بلادنا، ونظل أحراراً أقوياء في أمتنا، نقف إلى جانب أحرار العالم لنستمر في بناء الحضارة الإنسانية التي كان لأجدادنا الدور الأبرز فيها، وكلنا ثقة بأننا منتصرون، لأننا أصحاب حق، والحق منتصر وعدونا منهزم، طال الزمن أم قصر.