تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


الآثــار النفســية للأزمـــة علـــى الصغــــار والكبـــــار

مجتمع
الاثنين 11-8-2014
 سهيلة إسماعيل

نهض أحمد ذو السبع سنوات من نومه مفزوعا وأخذ يصرخ وهو ينظر إلى جهة محددة من السرير : ( قنبلة , قنبلة ) , ولم تنجح محاولات أبويه في تهدئته إلا بعد مضي وقت لا بأس به . ليعود ويغرق في نوم هادئ من جديد .

وأحمد كغيره من أطفال وسكان مدينة حمص لم يكن ليرى هكذا كابوسا قبل الأحداث الدامية التي شهدتها المدينة . هذا عدا عن الكلمات الجديدة والغريبة التي بتنا نسمعها تتردد على ألسنة الأطفال والكبار ( قتل , خطف , قناصة , مسلحون , بالإضافة إلى معرفة أنواع الأسلحة وأسماء القذائف والصواريخ ) , وسنحاول في هذا الموضوع الحديث عن الآثار السلبية للأزمة عل نفسية الأطفال والكبار في مدينة حمص , بعد مضي ثلاث سنوات , حيث ما زالت هناك جراح نازفة , وآلام كبيرة بانتظار من يعمل على بلسمتها أو التخفيف منها , وإذا كنا سنتركها للزمن فإنها ستترك آثارا من الصعب معالجتها .‏‏

ذعر ..رعب ...اكتئاب‏‏

دخلت التعابير والمصطلحات الخاصة بالأزمة إلى حياتنا دون استئذان وباتت الحديث اليومي لمعظم السوريين , وأصبح لدى كل مواطن كم هائل من القصص المحزنة والمؤئرة ,و انقسم المواطنون إلى قسمين , قسم معاق جسديا وقسم معاق نفسيا كما قالت لنا إحدى الزميلات التي أصابتها شظايا عند سقوط قذيفة على النادي العمالي بحي عكرمة في مدينة حمص .‏‏

وعن الآثار النفسية للأزمة على الكبار والصغار في مدينة حمص سيكون لدينا عدد كبير من الأمثلة , ولن نستطيع الحديث عنها كلها هنا . ولمعرفة الحالات التي وصلت إلى عيادات الأطباء وأبواب المشافي بحثا عن علاج التقينا الدكتور عماد الدين الحسن المختص بالأمراض العصبية فقال : تتلخص آثار الأزمة على الكبار في مدينة حمص بازدياد حالات اضطراب القلق وحالات اضطراب المزاج وخاصة الاكتئاب , وكذلك ازدياد حالات اضطراب الوسواس القهري وازدياد حالات الإدمان على الكحول والمواد الأخرى ( أمفيتامين , مهدئات) , وازدياد حالات اضطرابات الشخصية المضادة للمجتمع والحدية والزورية . وازدياد حالات الشدة ما بعد الرضح , كما أفرزت الأزمة نوعا آخر من المشاكل في العلاقات سواء بين الزوجين أو بين زملاء العمل والدراسة .‏‏

أما بالنسبة للصغار فبدت الآثار أكبر وأشد وطأة فقد ازدادت حالات اضطرابات النوم ( السرنمة - تبليل الفراش الناتج عن الخوف والقلق النفسي - الأرق - الكوابيس الليلية - الذعر الليلي ) وازدياد حالات الشدة ما بعد الرضح , وكذلك ازدياد حالات اضطراب التعلم والسلوك إذ بات بعض الأطفال أكثر عدوانية كما أصبحوا ميالين إلى الألعاب القائمة على العنف .‏‏

حالات مرضية‏‏

أضاف الدكتور عماد بأن الحالات السابقة التي تم ذكرها لوحظت عند الغالبية وقد تخف أو تتفاقم , وفي حال تطورها تصبح مرضا نفسيا يتطلب علاجا وقد استقبلت بعض الحالات ومنها على سبيل المثال :‏‏

الطفلة غادة وعمرها ثلاث سنوات كلما رأت الشريط الإخباري الأحمر على محطة شام إف إم تقرأ وبشكل لا شعوري ومهما كانت الأخبار المكتوبة :( مجموعات إرهابية مسلحة ....) مع أنها لا تجيد القراءة والكتابة وفيما بعد أصبحت تعاني من كوابيس ليلية .‏‏

- الطفل أحمد كان يشكو من رهاب المدرسة ومن ذعر ليلي ويتخيل المسلحين يهاجمون مدرسته كلما طلب منه الذهاب إلى المدرسة وكان ذلك بعد حصول هجوم على المدرسة وإطلاق النار على الطلاب فيها .‏‏

- المهندس عبد الله كان وما زال يشكو من اكتئاب فقد كان يسكن في الطابق الأخير من البناية التي تضم عددا من السكان فكانت تأتيه رشقات من الرصاص يشاهد حدوث اشتباكات ما جعله يترك منزله ويذهب للسكن في حي آخر .‏‏

- الآنسة حياة ( معلمة في المرحلة الإبتدائية ) تعاني من خوف وقلق ويزداد هذا الشعور عندما تسمع أصوات الرصاص وقذائف الهاون لأن مدرستها قريبة من منطقة يتواجد فيها مسلحون وقد انتقلت إلى إحدى القرى ولم يتغير شيء في وضعها فاضطرت لمراجعة الطبيب وتلقي العلاج .‏‏

الرأي العلمي‏‏

أما بخصوص رأي الدكتور العلمي وتوصيفه للحالات التي وصلت إليه أو تلك التي لم تصل فقال : تزداد الأمراض النفسية في حالات الحروب والفوضى وانعدام الأمن والنظام , وهذا يشكل تربة خصبة للاضطرابات النفسية التي تتفاقم وتشتد لأن أصحابها يتأثرون جدا بالبيئة المحيطة بهم وهنا يصبح العلاج أصعب لأنهم غير قادرين على التحكم بما يحصل في محيطهم , وهي بعكس الأمراض العضوية حيث يمكن التحكم بمسببات المرض وغيرها من العوامل الخارجية المؤثرة بشدة المرض‏‏

وعلاج الإضطرابات يكون نفسيا وسلوكيا واجتماعيا وهي تتطلب وقتا لا بأس به ومن المستحسن تعاون المريض مع الطبيب للوصول إلى علاج ناجع يخلص المريض مما هو فيه .‏‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية