تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


تشكيل...أحمد الوعري في لوحاته وتطلعاته..تأسيس واقعـي وتحولات تقنية..

ثقافة
الثلاثاء 23-10-2018
أديب مخزوم

«ك. مكان» هو عنوان معرض الفنان أحمد الوعري، الذي أقيم في صالة «آرت هاوس» متضمناً 16 لوحة (قياسات كبيرة - زيت على كانفاس)

‏‏

تميزت بواقعية شديدة الوضوح والبروز، واختياره للشريط اللاصق الشفاف (وخاصة في معرضه السابق والحالي) يشكل تحدياً للآخرين، لأنه يظهر من خلاله قدرة كبيرة، في ملاحقة أدق درجات الدقة في الرسم الواقعي، رغم أنه في هذا المعرض، يؤكد رغبته في كسر السياق الواقعي, في أماكن كثيرة من لوحته, حيث يضع ضربات وحركات لونية شديدة التلقائية والعفوية والكثافة، وهذا ما يتطلبه البحث والاختبار اليومي، والعمل التشكيلي الحديث والمعاصر.‏‏

تداخل المشاهد‏‏

وفي هذه الأعمال يجسد أحمد الوعري مشاهد لبعض المدن السورية بأداء واقعي في إحدى لوحاته, في حين تصبح المدينة في لوحات أخرى داخل الأشكال والعناصر، وهو في مجمل لوحاته السابقة والجديدة، يصل الى حقائق الأشكال في ظلالها وألوانها وشاعريتها واضوائها الباهرة, ويركز لإظهار مواضيع المرأة والطفل والكرسي والتفاحة متداخلة بطريقة خيالية، وتصل أحياناً الى حدود السوريالية، ولا سيما في لوحته الكبرى، التي نجد فيها الأشكال الانسانية طائرة في أعلى اللوحة، بينما تظهرالكرسي متدلل نحو الأسفل، ومحمولة بشرائط من اللاصق الشفاف، وتظهر التفاصيل بإيقاع متوازن, يعتمد على الدقة في التأليف والدراية في التنفيذ. وإذا نظرنا إلى طريقة معالجة الوجوه والأطراف والكرسي والتفاحة والمدينة والقفل وغيرها، نجده في توليفته النهائية يتجه لإطلاق الخيال، رغم اتجاهه في المقطع الواحد من اللوحة للوصول إلى نمنمة تفصيلية واعية وهادئة. وهكذا يطرح أمام أعيننا، جمالية الأسلوب الواقعي, الذي يعطي مشاهدها بعداً خيالياً أحياناً, حيث يجعل عناصره، تنفلت في أحيان كثيرة، من نقاط الثبات, وتظهر وكأنها سابحة في الفضاء. الشيء الذي يضفي نفحة من الخيالية والغرابة.‏‏

وهذا يعني أنه يقوم في هذه المرحلة بتجسيد حالات من المنظور الحامل مدى ومناخ الفضاء الخيالي الرحب، بالرغم من عودته في كل مرة الى مرتكزات الصياغة الواقعية, ولكن باضفاء العفوية والاختصار، حتى أن الاختصار طال في بعض لوحاته الجديدة الشرائط الشفافة اللاصقة، التي تميزت في معرضه السابق بدقتها المطلقة، حين وصلت الى حدود الواقعية الفوتوغرافية أو الواقعية القصوى.‏‏

طرفا نقيض‏‏

ومن هذه الناحية تأتي لوحات معرضه الجديد, في سياق التطور الذي تشهده تجربته على الصعيدين التكويني والتلويني، وهي تبدو في مظهرها وإيماءاتها المتدرجة بين الواقعية والسوريالية والتجريدية، منفتحة على تداخلات وتشابكات ومعطيات ثقافة فنون العصر، كما تظهر حالات التنقل من أقصى درجات الدقة الواقعية، إلى أقصى حالات العفوية، حيث يرسم التفاصيل بمنطق عقلاني، باحثاً عن أناقة الشكل وإغراءات اللمسة المدروسة، في وقت نستطيع أن نجد لمسات سريعة فيها قدر كبير من الانفعال اللوني, حتى اننا نستطيع أن نأخذ من بعض لوحاته الجديدة، مقاطع واقعية، ومقاطع تجريدية, كما يترك اللون يسيل أحياناً من أعلى اللوحة، إلى أسفلها, وبذلك يستخدم في هذا المعرض، تقنيات الرسم القديم والحديث، حتى أنه يقف على طرفي نقيض، من أقصى درجات الدقة الواقعية، إلى أقصى حالات العفوية والانفعالية.‏‏

وبالرغم من كل ذلك يبقى أحمد الوعري في إطار الرسم الواقعي,لأنه آمن منذ البداية بقدرته على الرسم أو على التجسيد، فهو لا يلغي الاشكال, كما هو الحال في اللوحة التجريدية, وإنما يتنقل, في اللوحة الواحدة، بين المقطع الواقعي والمقطع اللاواقعي، ليحقق حالات المواءمة والموازنة بين المنظور واللامنظور أو بين المرئي والمتخيل. هكذا يمكننا الاقتراب من عوالم لوحاته الجديدة، وتفهم معاني قصيدة السحر، التي تتناسب مع طروحات أو نداءات العودة، إلى الرسم الواقعي, عبر إضفاء بعض اللمسات العفوية, وبمعنى آخر يرسم بدقة تفاصيله، ويضفي في أحيان أخرى، المزيد من العفوية في أماكن متفرقة من اللوحة.‏‏

موديلات حية‏‏

وهذا يعني أنه يبرز في لوحات هذه المرحلة تحولات تقنية، رغم بروز وحدة النسيج الاسلوبي، عبر تنقله من عقلنة ضابطة، إلى عفوية لونية متحررة، إلا أنه سرعان ما يرتد إلى لغة الوعي، حين يجسد بلغة تصويرية مفرطة في واقعيتها، حركات إنسانية متنوعة في وضعياتها وتعابيرها. فالأجواء الواقعية المثبتة في ملامح الوجوه والأجساد والعناصر، هي حالة إيمائية تقتنص التفاصيل، لتعبر في النهاية عن قدرة التعاطي مع الموضوعات والموديلات الحية (حيث قال لي الفنان في حديث عابر: بأنه يجسد موديلات معينة, وهي تتبدل من معرض لآخر).‏‏

هكذا يرسم الموديل - الفتاة، ويطل عبر لوحاته الزيتية كمصور عقلاني، يعرف كيف يوازن ويعيد الاعتبار إلى الرسم الواقعي، وسط فوضى التشكيل السطحي السائد. ولوحاته على هذا تثير مسألة العلاقة بالماضي والحاضر. فهو يعود إلى الماضي, إلى مرتكزات الصياغة الواقعية, إلا أنه سرعان مايتعاطف مع تطلعات الحداثة وثقافة فنون العصر، عبر إضفاء اللمسات السريعة, والحركة الخطية التلقائية، واللمسة العفوية كمدخل للتفاعل مع اللون، بمفهومه التعبيري والتقني والجمالي. ورغم كل هذه التحولات، فهو يقدم في النهاية لوحة قريبة من ذاته ولصيقة بمشاعره, ولوحته قبل كل ذلك تؤكد موهبته، وتحقق رغبته بإضافة الحركة والحيوية في فراغ السطح التصويري والتشكيلي.‏‏

facebook.com adib.makhzoum‏‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية