تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


مضى ..ولكن..

إضاءات
الثلاثاء 23-10-2018
سعد القاسم

تختتم السيدة الدكتورة نجاح العطار توثيق المرحلة الأثرى في حياتنا الثقافية من خلال إعادة نشر نصوص كتبتها في المناسبات المتنوعة لهذه المرحلة، مخصصة كتابها الأحدث لمهرجانين كانت لهما أهمية كبيرة في الحياة الثقافية والإبداعية، كما في غيرها من المجالات.

الكتاب الذي ضم النصوص حمل عنوان (صفحات من الفن المجنح برؤى المبدعين)، وقد صدر عن الهيئة العامة السورية للكتاب في مئة وتسعين صفحة موزعة على فصلين أساسيين يتناول الأول منهما المسرح ومهرجانه الدمشقي، ويختص الثاني بمهرجان المحبة في اللاذقية، متبعاً الكلمات التي كتبتها الدكتورة العطار في افتتاح دوراته السنوية، بمقالة نشرها الكاتب المصري الكبير فاروق شوشة في صحيفة الأهرام عام 1999 حول المهرجان الحادي عشر، ورسالة الشكر التي بعثت له بها الدكتورة العطار جواباً لما جاء في مقالته.‏

أهدت المؤلفة الكتاب إلى السيد الرئيس بشار الأسد «ومن حقك علينا أيها القائد أن نفيك بعض حقك من العرفان، وبعض ما يتوجب علينا، فقد كافحت ونافحت عن هذا الوطن وهذه الأمة، كما فعل من قبل والدك الكبير الراحل حافظ الأسد، وفي هذا الكتاب بعض من شمائله التي هي شمائلك أيضاً، وما يستحق من تقدير».‏

وتورد الدكتورة العطار في متن الكتاب كيف أن الرئيس حافظ الأسد قد وقّع مرسوم إنشاء المعهد العالي للفنون المسرحية بعد ساعتين فقط من إرساله إليه، وقبل يوم واحد من افتتاح مهرجان دمشق المسرحي، فلقيت هذه المفاجأة ترحيباً بالغاً من المسرحيين السوريين، والوفود العربية، وكان هذا المعهد، وظل، جديراً بكل التقدير الذي يستحق. كما تتحدث عن إشراف ودعم وتوجيه الراحل الكبير لإنشاء اتحاد الفنانين العرب، بموافقة لم تكن متوقعة من الرئيس المصري حسني مبارك الذي قال إن ما يريده الرئيس حافظ ينبغي أن يتحقق، فهو زميل السلاح، وهو القائد الذي نحترمه ونعتز به. وهذا ما أتاح أن يجلس الدكتور سعد الدين وهبة إلى جوار الدكتورة نجاح العطار على منصة المسرح في فندق الشام ليعلنا أمام جمعٍ من المبدعين من سورية والبلاد العربية عن تأسيس اتحاد الفنانين العرب الرافض ميثاقه للتطبيع مع العدو الصهيوني، المصّر على النضال دفاعاً عن الحق المغتصب، وعن الأرض المحتلة، وعن الوجود والمصير العربيين.‏

إلا أن المفاجآت السياسية في العمل الثقافي العربي كان لها غير حالة ففي الاجتماع الأول لوزراء الثقافة العرب في العاصمة الأردنية عام 1976 علمت الدكتورة العطار أن مداولات جرت لنقل مهرجان المسرح من دمشق فأعربت للدكتور محي الدين صابر (الأمين العام للمنظمة العربية للثقافة والتربية والعلوم) عن أسفها لمحاولة انتزاع هذا المهرجان المتميز المرتبط باسم دمشق، وقد كنا المؤسسين له، وكرسنا قيمه ومنحناه كل الإمكانات، ورفعنا من شأنه، مؤكدة أنها لن تسمح بأي تغيير، وستنسحب من المؤتمر إذا حدث ذلك. فوعد الدكتور صابر أنهم حين عرض الموضوع سيقفون إلى جانبها، ولن يحدث أي تغيير. ثم تورد الدكتورة العطار تفاصيل ما حدث بعد ذلك فتكتب: «وفي الاجتماع كان مقعدي إلى جانب ممثل العراق، وكنا آنذاك على خلاف، وجلسنا ظهراً إلى ظهر ولم‏

بدأ النقاش احتد ممثل مصر، رغم علاقة المودة بيننا، وأراد أن يصوت الوزراء المجتمعون على نقله من دمشق، وتصدى له، وللمفارقة، وزير العراق آنذاك الدكتور طارق عزيز، وقال لماذا تفعلون ذلك بكل عمل ناجح؟ مهرجان دمشق المسرحي معلم ثقافي وحضاري متميز ومتفرد، ويجب أن يبقى في دمشق» وتتابع الدكتورة العطار: «ودهشنا جميعاً، وتم التصويت لصالح بقائه دون أن احتاج إلى مزيدا من الكلام. وحين انتهت الجلسة، شكرت الدكتور طارق عزيز، وعدنا إلى الجلسة متصالحين».‏

تستهل الكاتبة كتابها الأحدث هذا بمقالة بالغة الأهمية حملت عنوان (كيف نقدم جديداً في الثقافة المسرحية) قارنت في بدايتها بين سر العلم وسر الإبداع مستعيدة بعض الشواهد في الشعر و الموسيقا والمسرح لتتوقف عند الأخير مع اعتراف بأننا « أمام أزمة مسرحية عربية، لا يخفف من حدتها إلا قليلاً، وجود بعض النصوص المسرحية الجيدة، في هذا العرض المسرحي أو ذاك، وفي هذا المهرجان أو هذا الموسم، وما ننشده، من وراء عناوين أبحاثنا الفكرية المسرحية المتتابعة، هو إضاءة جوانب المشكلة، بغية تصور حلول للأزمة المسرحية الراهنة، والنهوض ثانية، بالمسرح العربي، الذي أثبت، في عقود سابقة، أنه جدير بتسميته ومهمته، وقادر على أن يكون على مستوى الطموح، سواء في مضمونه أو شكله، إذا أخذنا في اعتبارنا، وفي إيماننا، أن المواضيع، في وطن تقدم الأحداث فيه كل يوم قوساً واسعاً منها، هي التي تطرح نفسها علينا، وهي التي تنادينا، سياسياً واجتماعياً، أن تعالوا: أنا هنا! نعم المواضيع في متناول اليد، وهي وفيرة، غنية، متنوعة، ولدينا من الأشكال المسرحية ما يصلح أوعية لهذه المواضيع، لهذه المضامين، وما يجعلها على درجة عالية من الجودة نصاً وإخراجاً وتمثيلاً، بسبب التحصيل الثقافي والتقني الجيدين، لدى العاملين في حقل المسرح العربي، وبسبب وفرة الإمكانات الفنية المسرحية، من مؤهلات وأدوات، وطاقات بشرية، ولا ينقص المسرح العربي، كي يستأنف شوطه، سوى أن نعمل، وأن نصلب أنفسنا على خشبة العمل، وأن نجد، كما كان العهد في الستينات، أداة التوصيل الصالحة، بين المسرح والجماهير، وأداة الإيقاع والتشويق الضروريين، لتقديم المتعة والمعرفة، وهما قوام كل فن، وهدفه في آن ».‏

تحتل كلمات الدكتورة العطار في افتتاح واختتام دورات مهرجان دمشق المسرحي، وفي مهرجان المحبة، القسم الأساسي من الكتاب، ويتمثل فيها إلى جانب موهبتها كأديبة استثنائية بارعة، موقفها الفكري والسياسي النقي كمثقفة واسعة الإطلاع والمعرفة، ومفهومها للثقافة ودورها الأساس في الحياة وقد رأت فيها على الدوام الوسيلة الأكثر أهمية في تفتح الوعي والارتقاء بالذائقة الفنية، وهو ما جعل أهمية تلك الكلمات ترتفع كثيراً عن حال كلمات (برتوكولية) تقليدية تنتهي أهميتها بانتهاء مناسبتها. وتضيء مقالة الأستاذ فاروق شوشة عمق الجانب الثقافي في مهرجان المحبة، وهو الجانب الذي يكاد أن يغيب عن الملأ خلف صخب الحفلات الغنائية للمهرجان التي تستقطب الجمهور ووسائل الإعلام على حد سواء، وخاصة الإعلام المرئي.حيث يتحدث بالتفصيل عن الأمسيات الشعرية والندوات الثقافية والفكرية وبينالي المحبة للفنون التشكيلية.‏

تاريخ مضى، تقولون؟ صحيح، ولكن أهمية كل ذلك - على حد تعبير الدكتورة العطار - تبقى ذكرى للحاضر، تشجع وتؤكد وتفيد في بناء كل ما هو جديد وجميل.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية