تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


نهايات غامضة قصص وفاة أدباء روسيا الكبار

ملحق ثقافي
2018/10/23
إعداد: رشا سلوم

تعددت أسباب الموت وهو واحد، هكذا قال العرب قديماً، يموت الناس وهذه نهاية حتمية، ولكن ماذا عن موت العظماء، كيف واجهوا الموت، وأي حتف لاقوا؟ أسئلة كثيرة تدور في الذهن، تبقى تلح بعد عقود من الزمن، ربما بعد قرون، ولاسيما إذا كان هؤلاء الراحلون كتاباً بحجم العالم؟ أخبار الأدب المصرية توقفت عند رحيل الكتاب الروس ممن تركوا إرثاً عالمياً، والدراسة على غاية من الأهمية يمكن أن تكشف الكثير مما لم يكن معروفاً، أعدها دكتور محمد نصر الدين الجبالي،

‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏

يقول فيها:‏‏

عاش أغلب عظماء الأدب الروسي حياة قصيرة. فقد قُتل بوشكين وهو في السابعة والثلاثين، وكذا ليرمونتوف في السادسة والعشرين من عمره. أما نهاية الشاعر الكبير سيرغي يسينين فكانت الانتحار وهو في الثلاثين من عمره، وماريا تسفيتايفا في التاسعة والأربعين. وتتذكر والدة الشاعر الروسي فلاديمير فيسوتسكي حديثًا دار بينها وبين ابنها، حدثها فيه أنه يتوقع قُرب وفاته هو أيضًا.‏‏

في روسيا كان الموت المبكر يعد علامة علي صدق الشاعر، ومعدنه الحقيقي. ربما يبدو ذلك أمراً خيالياً بعض الشيء، ولكن الشعراء الروس الكبار كانوا يتوقعون دنو أجلهم؛ حتى إن هناك من كان يتساءل: هل يستطيع الشاعر الحقيقي العيش أكثر من 40 عاماً؟ كانوا يروْن أنه من الصعب علي المبدع الحقيقي تحمل قسوة الحياة ومعاناة البشر حوله سنوات طويلة.‏‏

والأمر لا يقتصر على الشعراء فحسب، بل نلحظ ذلك عند كُتاب النثر أيضًا. فقد توفي نيقولاي غوغول العظيم عن اثنين وأربعين عامًا، وإسحق بابل عن 45 عامًا، وفاسيلي شوكشين عن 45 عامًا.‏‏

ومن الصعب ألا نطلق وصف المأساة علي نهايات الأدباء الروس، نهايات يكتنفها الغموض، وحتى اليوم لا تزال تثير حيرة النقَّاد والباحثين والمهتمين بالأدب الروسي. مات ك. ريليف في عام 1826م مشنوقًا مع أربعة من قادة ثورة الديسمبريين، ومات غريبويدوف مقتولاً من الثوار، وأصيب الشاعر بوشكين إصابة قاتلة على يد البارون جورج دانتيس. وهو المصير نفسه الذي أصاب الشاعر ميخائيل ليرمونتوف، الذي قُتل في مبارزة علي يد نيقولاي مارتينوف.‏‏

وهناك شكوك كبيرة أن ليرمنتوف وبوشكين قُتلا بأمر من القيصر الروسي، أما غريبويدوف فقد تسبب القيصر بقتله، حينما تعمَّد إيفاده إلى إيران غير المستقرة حينها. كما اُتهم الأديب ب. تشادايف بالجنون رسميًّا، وتم حظر أعماله من النشر على جميع أراضي الإمبراطورية الروسية.‏‏

وفيما يلي، سنتوقف ببعض التفصيل عند وفاة عدد من كبار الأدباء الروس، ونطرح أهم الروايات التي صاحبت وفاتهم، وهل يمكن بالفعل وصفها بالنهايات الغامضة؟‏‏

يُعتبر الكاتب ألكسندر نيقولايفيتش راديشيف (1749-1802 م) أديبًا مبدعًا ومدافعاً صلداً عن الدولة الروسية، ومن أهم أعماله كتاب «الرحلة من بطرسبورغ إلى موسكو»‬، والتي فضح فيها تدني أخلاقيات الأثرياء، وحرمانهم للفقراء من كافة حقوقهم. وكانت طبقة الملاَّك الكبار تسيطر علي مقاليد الأمور، فحُكم عليه بالإعدام بمرسوم من القيصر، ثم سرعان ما تم العفو عنه، واُستبدل بالنفي إلى سيبيريا، حيث عاش راديشيف حتى عام 1796م، حتى أصدر القيصر الجديد بافل الأول قرارًا بالعفو عنه تمامًا، وسمح له بالعيش بقرية قريبة من كالوغا إحدى ضواحي موسكو، وفي عام 1801م تمت دعوته إلي بطرسبورغ وتعيينه عضوًا في لجنة صياغة القوانين. ويبدو أن راديشيف لم يفهم المغزى من قرار القيصر باستضافته، وظل يصرُّ على تحقيق حرية الصحافة، والمساواة بين الناس أمام القانون، وكانت النتيجة أن حِيكت ضده مؤامرة، وتُوفي فجأة في 12 من سبتمبر 1802م.‏‏

وكانت وفاته محل تشكك وريبة من محبيه، وسارت إشاعات بقتله عن طريق وضع السم في كأس النبيذ الخاص به.‏‏

أما غوغول صاحب رواية «المعطف» الشهيرة، فحقيقة وفاته أنها وقعت في 18 من فبراير 1852م، حينما رفض الكاتب تناول الطعام، واجتمع الأطباء للتشاور، وخشية فقدان الأديب العظيم اتخذوا قرارًا بإرغامه على تناول الطعام. ومن بين الأساليب التي اتبعوها في ذلك استخدام العلقيات، وهي فصيل من الطفيليات التي تشبه الديدان، وكان غوغول يشمئز من رؤيتها؛ ولذا فقد قاوم قدر الاستطاعة، ومع شروق شمس 21 من فبراير، أخذ يهذي، وفقد وعيه، ثم تُوفي بعد بضع ساعات.‏‏

تقول إحدى الروايات: إن غوغول، قد قرر تجويع نفسه سعيًا لإثبات انتصار الروح على الجسد. فيما يؤكد علماء النفس على مقولة إن غوغول كان يعاني طيلة حياته ضغوطًا نفسية، وكان يجب عدم الاكتفاء بعلاج أمراضه الجسمانية بل والنفسية أيضًا.‏‏

ويؤكد محبو غوغول أنه من الصعب أن يموت إنسان بسبب امتناعه عن الطعام لثلاثة أيام. وصرح الطبيب الخاص بغوغول ألكسي تاراسينكوف، والذي صاحبه في ساعاته الأخيرة، أن انهيار غوغول القوي وهذيانه وقعت في الساعات الأخيرة قُبيل وفاته، ويبدو أنه كان هناك سبب عضوي ليس له علاقة بالجوع، وهو ما أدى إلى الوفاة. إلا أن هذا السبب بقي سرًّا حتى يومنا هذا.‏‏

ويعتقد الكثيرون أن أنطون تشيخوف (1860-1904 م) قد تُوفي ليس بسبب السكتة القلبية، كما هو شائع، بل بفعل سكتة دماغية بسبب توقّف وصول الأوكسجين إلى المخ. وكما هو معروف أن تشيخوف كان مريضًا بالسّل.‏‏

وفي الخامس عشر من يوليو 1904م، طلب للمرة الأولى من زوجته أن تستدعي الطبيب فورًا، الذي قام بحقنه بعقار ما، وبعد بضع دقائق أخذ تشيخوف يهذي ويحكي كلامًا عن اليابانيين والبحَّارة. وأرادت زوجته الفنانة أولغا كنيبير أن تضع على صدره كيس ثلج إلا أنه أوقفها قائلاً: «‬لا يُوضع الثلج على القلب الفارغ»، وطلب منها كأسًا من النبيذ. ثم ابتسم ورقد على جانبه الأيسر، واستقبل موته. وقال بالألمانية: «‬إنني أموت الآن». غير أن الأطباء ذكروا أن السبب الرئيس للوفاة هو سكتة قلبية وليست دماغية. فيما التحليلات الجديدة تثبت موته بالسكتة الدماغية.‏‏

مثال آخر هو الشاعر إيفان كونيفسكوي الذي ولد في عام 1877م، ولم يعش سوى 23 عامًا فقط، ويعتقد الرمزيون الروس، أنه لو قُدر له العيش لعشرين عامًا أخرى لأصبح الشاعر الأشهر في روسيا. ومنذ بداياته انشغل إيفان بالبحث عن العالم المثالي، وعن أصل الحكمة، ويرى أنه كان في حاجة إلي إرادة قوية، لا تهتز لتحقيق هذه الأهداف. ولعل ذلك كان السبب في مأساته. ففي صيف عام 1901م توجَّه كونيفسكي للاستجمام في منطقة ريجسكوي، إلا أنه لم يصل إلى هذا المكان أبدًا، حيث توقف في قرية سيغولدا. ثم توجَّه في رحلة، مبتعداً عن المدينة، وضلَّ طريقه في الغابة، وظل يبحث حتى وصل إلي شاطئ نهر صغير، وفي أثناء رحلته القصيرة وقعت المأساة دون تواجد أي شهود. ولعل السبب الأكثر منطقية أنه غرق في النهر.‏‏

وفي السابع والعشرين من مايو 1936م عاد مكسيم غوركي إلي موسكو قادمًا من جزيرة القرم، وكان يشعر بالإرهاق، وعرَّج أثناء عودته على أحفاده، وهناك أُصيب بعدوى الإنفلونزا. وفي اليوم التالي توجَّه إلي مقبرة ابنه، حيث اشتد المرض عليه، وساءت حالته الصحية تدريجيًّا، وفي الثامن من يونيو أصبح جليًّا أنه لن يشفى من مرضه، وأُصيب الكاتب باضطراب في التنفس ومعدلات النبض، وازرقت أطرافه، وعاش عدة أيام فقط بعدها، زاره خلالها الرئيس السوفييتي جوزيف ستالين.‏‏

وفي 18 من يونيو، تُوفي غوركي، وثبت لاحقًا أن رئتي الكاتب كانتا في حالة سيئة تمامًا، حتى إن الأطباء تعجبوا كيف كان قادرًا على التنفس، غير أن الإشاعات التي سرت حينها أن ستالين أو تروتسكي قد أمرا بدس السم له في الطعام، وقد صرَّح بذلك أحد قادة اللجنة الشعبية للشؤون الداخلية للاتحاد السوفييتي جنريخ ياغودا، والسكرتير الشخصي للكاتب بيتر كريوتشوف، حيث حكمت المحكمة بإعدامهما رميًا بالرصاص، عقابًا على هذه التصريحات.‏‏

كانت وفاة الشاعر الروسي الكبير فلاديمير ماياكوفسكي (1893-1930م) أيضًا غامضة، ومثَّلت لغزًا وحيرة كبيرة للباحثين. تُوفي الشاعر في إبريل 1930م وبقيت الرواية الرسمية حتى يومنا هذا، أنه قد انتحر. غير أن هناك العديد من النقاط التي تحتاج إلى تفسير. فقد كان الشاعر يرغب في الرحيل عن الاتحاد السوفييتي غير أن السلطات لم تسمح له بذلك. كان الاتحاد السوفييتي في حاجة إلى بقاء ماياكوفسكي بوصفه شاعر الثورة، والمنبر الذي يتحدث باسمها في العالم كله. وقد تحدث أصدقاء ماياكوفسكي عن هذا الخلاف الذي نشب بين الشاعر والسلطات، وهو ما يعضد من فرضية تعرضه للقتل في عمليات التطهير التي شنتها السلطات في الثلاثينيات.‏‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية