انعكاس حركاتها على المرآة يثير استفزازها ويجعلها تتساءل من القابع خلف هذه المرآة قاصداً إرباكي، تمد يدها بحركة خاطفة وتبدأ بتسريح شعرها مختلسة النظر إليه بعينها اليسرى لعلها تتعرف عليه، لكن لا فائدة من هذه الحركات الغبية.
تنهض من مكانها وتجلس على الأريكة البعيدة عن المرآة، تفكر بطريقة ما لمعرفة من ذا الذي يتجرأ على اقتحام مرآتها، تخلع خفيها وتمشي على رؤوس اصابعها لعل الوجه الذي في المرآة يقع في المصيدة، تمد عنقها ليصل رأسها إلى زاوية المرآة، تجده ينتظرها، تعود مسرعة وتجلس على نفس الأريكة، يزداد غضبها، تفكر وتفكر بحيلة مجدية أكثر من ذلك.
تلبس حذاءها بعنف مقررة الركض قبالة هذه الوجه لعل حركاتها السريعه ترهقه ويعلن استسلامه، تبدأ بالركض يميناً، يساراً, تصعد على السرير وتبدأ بالقفز أمامه، تمد يدها إليه، يمد يده إليها دون أن تلتقطها، ينال منها التعب، تقف لبرهة واضعة يديها على ركبتيها تتحسس قطرات عرقها وهي تنساب من جبينها مودعة أنفها في رحلة سقوط شاقولية يكتنفها الحيرة والخوف، وماذا بعد، من هذا، وماذا يريد، ولما اختار مرآتي؟ ولماذا لم يختر وسادتي؟
تطبق جفنيها ليأخذها الحلم إلى منزل كبير واسع لا أثاث فيه مغلق النوافذ والأبواب جدرانه وسقفه وأرضيته مصنوعة من المرايا بأشكال مختلفة، تتلفت حولها تجد نفس الوجه في كل مرآة يلازم خطواتها يحاصر أنفاسها، تركض هاربة وصرخات تعلو أرجاء المكان قائلة: «غبية أنت، انا الطفل اليتيم المحبوس بقعر ظلامك، المتعثر الولادة، أزمان مضت وأنا أبحث عنك، ألتهم الوجع طعاماً لأصل إليك، أشتاق لوجه مرآتي».
تستمر بالركض وأنين الكلمات يعاود ضربها بسياط الحنين.. غريبون نحن، غريبون عن أنفسنا، تلفظنا ذواتنا، تنكرنا مرآتنا، ننظر الى عوالمنا من ثقب إبره لا ضوء يدخلها، يرافق طريقنا وجوه كثر لا نعلم من منهم هو وجهنا، تسحبنا أفكارنا إلى أفلاك ومجرات لا قيعان لها، لا إشارات توقفنا، ولا أياد بيضاء توقظنا، لقاحاتنا سم، أفراحنا غل، ومساعداتنا وهم، أسناننا سيوف، شفاهنا مرة، نقتات الكلمات طعاماً لأفواهنا، نحن الجنيون الأصلاء، نحتمي بأسرّة الحنين ولا شفاء لنا.
تستيقظ من حلمها على أصوات تكسّر المرايا في داخلها، تنهض مسرعة الى مرآتها تتلمس حوافها، تنظر إلى وجهها تجده يحدق بها كما لو أنها أول مرة تراه، تبتسم بملء روحها، تتوسع ابتسامتها إلى ضحكات، قهقرات متواصلة وتطول.